تغزل فيها نزار قباني: يا تونس الخضراء جئتك عاشقًا.. وعلى جبيني وردة وكتاب.

وقال فيها محمود درويش وهو يودعها والعبرة تخنقه: كيف أشفى من حب تونس؟

تلك هي تونس في قلب كل من يزورها وفي قصائد الشعراء.. درة المتوسط، تقع في شمال إفريقيا، يحدها البحر الأبيض المتوسط شرقًا وشمالاً، وتحدها ليبيا جنوبًا، أما الجزائر فتحدها غربًا. سمَّاها الرومان مقاطعة أفريكا، ومطمورة روما، لخصوبة تربتها وكثرة خيراتها، ولما كانت توفره من منتجات متنوعة حققت الأمن الغذائي.

 


غابات كثيفة وضفاف أودية

تزخر تونس الحديثة بالمعالم الأثرية، والثقافية، والفنية الموغلة في التاريخ والأصالة. تونس التي تعني باللغة البربرية برزخ، لما يميزها من مناخ متوسطي وطبيعة غناء حتى لقبت بالخضراء، لكثرة سهولها الممتدة على ضفاف الأودية وعلى الشريط الساحلي الطويل وخصوبتها، ولغاباتها الكثيفة في الشمال الغربي خاصة. أما جنوبًا، فتمتد صحراء ساحرة كأنها بحر هادئ لكنه ذهبي اللون. في تونس الرحلة الماتعة الخيالية التي يبحث عنها الزائر الذي يتوافد إليها طلبًا للراحة والاستجمام والشمس والبحر والهواء النقي. يأتيها السياح من كل أصقاع العالم ليتمتعوا بمناخات فصولها الأربعة وأجوائها المتوسطية.

عاصمة التاريخ

يبلغ عمر تونس العاصمة أكثر من 3 آلاف سنة، وهي عاصمة الجمهورية التونسية، وتنقسم إلى جزأين: المدينة الحديثة، وأهم شوارعها شارع بورقيبة الذي تحفه من الجهتين المقاهي، والنزل، والمتاجر العصرية، والمطاعم، والمؤسسات المختلفة، وتظلله الأشجار التي تلوذ بها العصافير في كل مساء لتعزف سمفونية يطرب لها المارة والسمار في المقاهي. وهو شارع فسيح لا ينام ولا يخلو من الأنشطة الثقافية، والفنية، والعروض المجانية.

 


ربوة البحر

أما المدينة العتيقة، أو «البلاد العربي» كما تُعرف، فهي قلب العاصمة النابض، تقع على ربوة مطلة على البحر، وتتميز بأبوابها التي اندثر أغلبها وظل بعضها شامخًا حتى اليوم. تمتد المدينة من باب الفلة وباب عليوة من الجهة الجنوبية، إلى باب سعدون شمالاً، وباب العلوج غربًا، وباب بحر من الجهة الجنوبية، وهو المدخل الرئيس للأسواق والفاصل بينها وبين المدينة الحديثة. يطيب للزائر التجول في تلك الأسواق ودكاكينها الضيقة المتلاصقة العامرة بالملابس التقليدية وكل ما يسر الناظر من بضائع، وهندستها المعمارية التي تُوشِّح الواجهات والممرات الضيقة والمسطحة بحجارة صوان ملساء كما تركها الموحدون، فتأخذ الزائر إلى سوق البلاط، وربما إلى سوق البركة حيث يباع الذهب، أو تقوده حينًا إلى سوق النحاس، حيث تستمتع بمشاهدة الحرفيين بلباسهم التقليدي وهم ينقشون لوحات من جمال تونس وأسماء الزائرين على قطع نحاسية يقتنيها الزائر تذكارًا، قبل أن يستكمل جولته في الأسواق إلى سوق الدباغين حيث المنتجات الجلدية، وسوق العطارين الذي يعرض شتى أنواع الأعشاب، فيتنشّق المارة رائحة تعود بهم إلى زمن غير الزمن، على أرض تعبق أصالةً، وتحتضن زائرها بكل حب وحفاوة.

 


مساجد ومدارس تاريخية

في السوق نفسها، نجد كثيرًا من المدارس والجوامع التي بنيت في العهدين الحفصي والعثماني، وأهمها جامع الزيتونة الشهير، ومسجد القبة الذي درس فيه العلامة ابن خلدون، وجامع صاحب الطابع، وجامع القصبة، وجامع القصر، وجامع حمودة باشا. أما المدارس فأهمها بناها العثمانيون كالمدرسة السليمانية، والمدرسة العاشورية، وغيرهما من المدارس التي جرى ترميمها والاستفادة منها في إقامة الأنشطة الأدبية والثقافية.

عناق الجبل والبحر

تطل المدينة العتيقة على كثير من الضواحي الساحلية التي لا تقل عنها سحرًا وعراقة، مثل حلق الوادي، والمرسى، والكرم، وقمّرت، ورادس، وحمام الأنف. وفي شمال شرق العاصمة وعلى بعد 20 كيلومترًا تقع قرية سيدي بوسعيد، تلك الضاحية التي تسلب الألباب، حيث يتعانق الجبل الأخضر مع البحر ولون المنازل الأبيض بأبوابها الزرقاء في مشهد غروب نادر، حين تمدد الشمس جسدها المحموم على مرايا المتوسط الرقراقة، ويحرسها من أعلى قمة جبل المنار أو جبل المرسى، كما كان يُسمى قديمًا للدور المهم الذي لعبه في حراسة المدينة. وحين تنام سيدة الضياء توقد السماء فوانيسها ليبدأ السمر وتهبُّ نسمات الصيف المنعشة، فتغص الشوارع والمقاهي والمطاعم بالزوار، ويحلو السمر ويمتزج عطر البخور بهال القهوة وعبق الياسمين ورائحة فطائر «البنبلوني» الزكية، وهي فطائر تشتهر بها ضاحية سيدي بوسعيد يتذوقها كل مَن يعبر من هناك.

 


ضاحية قرطاج

من جهة الشمال الشرقي تتربع على ربوة التاريخ ضاحية قرطاج، التي أسستها الأميرة الفينيقية عليسة أو أليسار في عام 814 قبل الميلاد. وقع عليها اختيارها لموقعها الاستراتيجي جغرافيًا واقتصاديًا، فعملت على توسيع رقعتها. وقد عايشت قرطاج كثيرًا من الحضارات المتعاقبة حتى وصلت إلى العصر الحاضر الذي حظيت فيه بأهمية كبيرة، إذ يقام فيها مهرجان دولي سنوي للموسيقا، وتضم متحفًا على قمة هضبة «بيرسا» يضم ثلاث حقب رئيسة في تاريخ قرطاج هي الفينيقية، والرومانية، والعربية الإسلامية. هذا الموقع التراثي الجميل يضم كثيرًا من المعالم الأثرية التي خلّفتها هذه الحضارات، ومنها حي المنازل الرومانية، والمسرح الروماني، والصهاريج المعلقة، إضافة إلى حمامات أنطونيوس الرومانية التي تقع على شاطئ البحر وتُعد من أهم المعالم الأثرية في قرطاج اليوم، إذ تعدُّها اليونيسكو بين أكبر ثلاثة حمامات رومانية في العالم.

ومن إرثها وتاريخها القديم تضيء سماء قرطاج في عهدها الحديث بمسرحها العريق الذي يقام عليه مهرجان قرطاج، وشدا عليه عمالقة الفن العربي منذ عقود، وما زالوا يتعاقبون عليه حتى الآن، ليقترن اسم تونس بالأمل والحياة، وبلون الجنائن والسحر والربيع كما عهدها العالم دائمًا تونس الخضراء.

x
You are looking for