ثمة مدن يتناغم معها التاريخ، وتتعانق معها الجبال، وتفرش لها السهول والرمال حكايات الأرض وقصص الصحراء، وتنتثر على سفوح جبالها قرائح الشعر وعذب القصيد، ويمر على أرضها الشعراء والرحالة وينسجون لها أجمل الرؤى، وأعذب الأوصاف حين يتحدثون عن المكان والإنسان في حائل. 

لا يخلو كتاب يتناول تاريخ شبه الجزيرة العربية أو جغرافيتها من ذكر مدينة حائل، تلك المدينة التي تتميز بموقعها الاستراتيجي الذي جعلها على الدوام ضمن الخارطة التراثية والسياحية. وقد ساهم موقعها على طريق الحج بين العراق والشام في توثيق علاقتها بالحضارات البابلية والآشورية، وبدولة المناذرة في الحيرة، وبحضارات بلاد الشام، وقد أطلق عليها اسم «مفتاح الصحراء». وقد ذكر الرحالة الذين زاروا حائل أن فيها مجتمعًا حضاريًا منفتحًا على الآخر يحب الضيف ويهتم بالعلم والثقافة. 

كذلك يحفظ التاريخ العربي خصالاً وبطولات وأشعارًا عرفت حائل بها، وسطَّرها كبار الشعراء على سفوح أجا وسلمى الكثير من الخصال الحميدة ومنها الكرم، والذي كانت تمثله قبيلة «طي» التي انحدر منها حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في السخاء والجود والكرم.. فكان شاعر الكرم، وكريم الشعراء. 

وقد تميزت منطقة حائل بالسياحة الصحراوية حتى أطلق عليها عاصمة السياحة الصحراوية نتيجة لتنوع تضاريسها ومقوماتها السياحية النادرة من جبال جرانيتية ملونة بألوان الحجر الطبيعي، والسهول، والرمال الذهبية، والهضاب، والأودية، والواحات، والكهوف. تشكل هذه التضاريس عناصر جمال حينما يفرش الربيع بساطه الأخضر المرصع بألوان الزهور الربيعية المتنوعة، لأن أرض حائل تنبت فيها كل أنواع الزهور مثل الأقحوان، والخزامى، والنفل، والقيصوم، والشيح.. وغيرها الكثير. 

وقد شهدت المنطقة إقامة البرامج السياحية المرتبطة بالبيئة الصحراوية، حيث تمثل الصحراء عمقًا فريدًا في منطقة حائل، وقد تم الاستثمار المبكر لهذا النمط. 

بدأت سلسلة من البرامج في هذا السياق للاستفادة من الكثبان الرملية الذهبية في رالي حائل الدولي منذ نسخته الأولى حتى الآن. وهو يشكل أيقونة المهرجانات الصحراوية، وجسد جمال التراث وعناصر البيئة، والأودية، والأجواء، والتضاريس المتنوعة في المنطقة، وكرَّس ثقافة المهرجانات، ورياضة الصحراء، والمخيمات الثقافية، والمنتجات التراثية، وتوظيف عناصر التراث داخل أروقة المهرجان، واستخدام مفردات الموروث الشعبي وتقديمه في إطار فني حضاري للجيل الحالي والأجيال القادمة، لأن حائل زاخرة بموروث تراثي عريض منه التراث المادي المتمثل في المقومات والعناصر الماثلة كالمواقع الأثرية، والقلاع، والقصور، والأسوار التاريخية، والرسوم والنقوش على الجبال في أم سنمان في مدينة جبة، والنقوش في جانين، وياطب، وسميراء، والحائط، والشويمس، ومدينة فيد وقصورها وأسوارها، وقفار بقلاعها وأسوارها وآبارها، وعقدة بقصورها وطبيعتها، وجميع المواقع الأثرية المتناثرة في منطقة حائل، والصناعات التقليدية والحرف اليدوية. وهناك تراث آخر يتمثل في النشاطات التي تشتمل على الرواية الشعبية، وحكايات الصحراء، والدراما، والمسرح المفتوح الذي ينقل الصور التراثية من عادات وتقاليد وأنماط اجتماعية قديمة. 

x
You are looking for