مراكش مدينة تعج بالحياة وتدعو زائرها إلى البهجة. تكشف في صفحتها الأولى عن بعض جمالها التاريخي، وروعة التجول في شوارعها بعربات الخيل التي تُعرف بالكوتشي، ليقع الزائر في حب المدينة من أول نظرة. ولما لا فهي مدينة الأسوار التي تمتد إلى أكثر من تسعة كيلو مترات، ومدينة الأبواب بلا منازع، ومدينة النخيل والطين واللون الأحمر. لذلك أُطلق عليها المدينة الحمراء. ومدينة السبعة رجال، نسبة إلى رجال الصوفية الذين عاشوا في المدينة قديمًا. ومع الوصول إلى مراكش وجهة أولى في المملكة المغربية فإن كل السبل إلى شقيقاتها من المدن الواقعة شمالاً تصبح متاحة عبر شبكة القطارات التي تُسهل الحركة والانتقال.
وجهة جاذبة
أصبحت مراكش واحدة من أهم الوجهات السياحية في السنوات الأخيرة، إذ ذاع صيتها وجذب جمالها العمراني الصحراوي السياح من كل حدب وصوب، وأصبحت محط رحال كثير من الفنانين من كل أرجاء العالم من الباحثين عن رقعة من التاريخ القديم مشهورة بالطعام الطيب من المطبخ المغربي العريق، مثل طبق الطنجية التقليدي.
ساعد التسامح والانفتاح بصورة عامة مع جميع الثقافات والأذواق والأبعاد العربية والإفريقية والإسلامية والبربرية والأطلسية المدينة لتضع نفسها على الخارطة السياحية العالمية خلال سنوات قليلة. ورغم أنها تأتي في المرتبة الرابعة من حيث الحجم بين المدن المغربية، إلا أنها أصبحت في السنوات الأخيرة لما تقدمه من خدمات سياحية تنافس كثيرًا من المدن المغربية والأوروبية. فهي تحفة عمرانية لمحبي العمارة، وكنز فني لمحبي الفنون، إذ تشهد تنظيم عدد من المعارض الفنية والمهرجانات، وعلى رأسها مهرجان مراكش السينمائي الدولي، ومهرجان الفنون الشعبية، وتعج بالمقاهي الثقافية، وهي أيضًا تحفة طبيعية لمحبي النباتات لكثرة الحدائق الجميلة فيها.
تاريخ عريق
مراكش في الأساس مركز سكن المزارعين الأمازيغ منذ قديم الزمان، ويعود تاريخ المدينة إلى القرن الحادي عشر، وزعيم المرابطين أبي بكر بن عمر اللمتوني الذي فكر أولاً بتشييدها، لكن السمعة تعود إلى قائد المرابطين يوسف بن تاشفين الذي أكمل بناءها، وبناء قصورها، واعتمدها عاصمة لدولة المرابطين والغرب الإسلامي، لتكون قاعدة لحملاته العسكرية. فقد كان موقعها قريبًا من قبائل صنهاجة التي تشكل البنية الرئيسة للمرابطين. وقد جرى ترميم مساجدها وأسوارها ومعالمها البارزة، ولقيت اهتمامًا عمرانيًا ملحوظًا في ظل حكم العلويين.
وقد وصف المدينة كثير من الكُتّاب والرحالة تاريخيًا، وقال ابن بطوطة في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار: «فوصلت إلى مدينة مراكش. وهي من أجمل المدن، فسيحة الأرجاء، متسعة الأقطار، كثيرة الخيرات، بها المساجد الضخمة، كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين، وبها الصومعة الهائلة العجيبة، صعدتها، وظهر لي جميع البلد منها. وقد استولى عليه الخراب. فما شبهته إلا بغداد، إلا أن أسواق بغداد أحسن. وبمراكش المدرسة العجيبة التي تميزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة وهي من بناء الإمام مولانا أمير المسلمين أبي الحسن رضوان الله عليه».
أقسام المدينة
تنقسم المدينة إلى قسمين المدينة القديمة التي تعدها اليونسكو تراثًا إنسانيًا يجب حمايته، وتضم كثيرًا من الأسواق التقليدية مثل: سوق التوابل، والخزف، والنسيج، والملابس، والأحذية، والبلاط، وأسواق التحف الفنية والتذكارية والملابس المحلية والتراثية.
والقسم الثاني هو المدينة الجديدة أو ما يعرف بمنطقة جيليز، وهي منطقة سياحية مهمة، لأنها تقدم الخدمات للسياح من فنادق ومطاعم، وتعد مزيجًا من السكان المحليين والأجانب، لذا تشد الانتباه وتعج بالناس.
معالم مراكش
من أهم معالم المدينة وأشهرها مسجد الكتبية الذي يمكن رؤيته من معظم غرف الفنادق في المدينة، وقد بُني نهاية القرن الثاني عشر من قبل الخليفة عبدالمؤمن بن علي الكومي على أنقاض ما كان يعرف بقصر الحجر. تعود تسمية المسجد إلى سوق الكتب التي كانت تحيط بالمسجد قرب ساحة جامع الفنا.
تتمتع معظم القصور في مراكش بطراز معماري مميز وفريد يعكس تاريخ الشعب المغربي العريق. ومن أهم القصور، القصر البديع أحد أبرز عجائب المدينة، لاحتوائه على أربع حدائق، وزخارف ورخام وتيجان وأعمدة مكسوة بأوراق الذهب والزليج متعدد الألوان. إضافة إلى الخشب المنقوش والمصبوغ. أما قصر الباهية فهو من أبرز معالم مراكش أيضًا رغم حداثة تأسيسه في القرن التاسع عشر، ويستقبل الزوار عند مدخل المدينة القديمة.
يضم مجمع قبور السعديين ثلاث قاعات وهي قاعة المحراب، وقاعة الاثني عشر عمودًا، وقاعة الكوات الثلاث، ويحتوي على قبور أهم الملوك السعديين الذين حكموا المغرب بين القرنين السادس والسابع عشر للميلاد.
أما مدرسة ابن يوسف فتصنف تحفة معمارية تعود إلى الدولة المرينية، قبل أن يعاد بناؤها في القرن السادس عشر على يد السلطان السعدي عبد الله الغالب. ومن المعالم المهمة أيضا القبة المرابطية في المدينة القديمة، وحدائق ماجوريل التي تضم أنواعًا نادرة من النباتات والأزهار، وحدائق المنارة التي يتوسطها خزان المنارة الكبير، وحدائق أكدال الغنية بأشجار الفاكهة والزيتون.
تضم المدينة ثمانية عشر بابًا من الأبواب المثيرة للاهتمام، وعلى رأسها بابا دكالة وأغمات من الجهة الشرقية، ويعد باب دكالة من أهم الأبواب الرئيسة للمدينة، ويقود إلى مسجد دكالة. يتكون الباب من برجين يتوسطهما ممر يؤدي إلى قلب المدينة القديمة.
تعد ساحة جامع الفنا من مواقع التراث العالمي المسجلة لدى اليونسكو، وهي روح المدينة وقلبها النابض. إذ تحولت إلى إحدى أهم محطات الترفيه لزوار مراكش، وذلك بما تقدمه من تجارب متنوعة من مواقع لبيع المنتجات التراثية والأطعمة، وأصحاب المهارات والعازفين والفنانين المنتشرين في أرجائها، ومدربي القردة، وباعة الأعشاب، وكل ما لا يخطر على بال.