على بعد 170 كلم شمال غربي العاصمة السعودية الرياض تتربع قرية أُشَيْقِر التراثية، على سهل الوشم في نجد، لتجمع التراث والتاريخ، بمبانيها الطينية وأسواقها وجوامعها وأزقتها الصغيرة التي تحتضن البيوت، وتشقها الدروب الضيقة المتعرجة، التي تنتهي إلى مزارع النخيل والبساتين. 

الإطلالة الأولى للقرية التي تكتسي بحمرة الطين لا ينافسها سوى اللون الأخضر للنخيل وبعض السهول التي تنتشر حولها، ويتوارى بينها سور قديم لا يزال يقاوم عوامل التعرية، رغم ما ناله من تداعٍ. ويعد السور جزءًا من الثقافة القديمة التي كان فيها بناء الأسوار هدفًا لحماية منازل القرية من المتسللين، ورغم ذلك لم يغفل أهالي القرية بناء غرف ضيافة للمارين بهم، أحدها يوجد داخل المسجد الذي يأوي العابرين. 

عند وصولك إلى القرية تستحضر التاريخ من ممرات البلدة والمنازل التي اكتست باللون البني الذي ارتبط بنوعية البناء وأسلوبه، إلى جانب مطالعة التربة التي تميل إلى الحمرة والشقرة. ويستقبلك متحف الشيخ حمد السالم التراثي، الذي يضم الكثير من معالم الحياة القديمة، ويزخر بالقطع الأثرية المتنوعة. كما يعيد المتحف للذاكرة جزءًا كبيرًا من ملامح الحداثة التي بدأ الناس يتعرفون عليها عندما ظهرت الأطعمة المعلبة والمشروبات الغازية في ركن أطلق عليه «دكان القرية». 

يستمتع الزائر للقرية بمشاهدة الأدوات والأواني التراثية القديمة التي كان السكان يستخدمونها، ومن بينها «الحصة» التي تستخدم لحفظ التمر، إلى جانب الآلات الصغيرة التي تستعمل في عملية طحن البن ووزن الأشياء، والأواني المنزلية الخاصة بالطهي. 

هذه القرية التراثية، هي بلدة عريقة يمتد تاريخها إلى العهد الجاهلي، وقد سكنتها قبائل العرب قديمًا، واليوم يحصي كثير من المؤرخين العديد من الأسماء للعلماء الذين عاشوا في هذه البلدة، إلى جانب ما قيل فيها من الشعراء الذين مروا بها ووصفوها. 

في الجهة المقابلة من المتحف تبرز دار التراث، الواقعة مقابل الجامع القديم. وتتكون الدار من مجلس بمساحة كبيرة يتسع لأكثر من 500 شخص، ومتحف مصغر. وتعد الدار مقصدًا للسائحين والزوار من مناطق المملكة كافة، ومن خارجها أيضًا. 

أمام هذه الدار يشاهد الزائر مجموعة من المحال التجارية، اعتاد السكان قديمًا تسميتها السوق، وفيها كانت تمارس عمليات البيع والشراء. واستطاع الأهالي أن يعيدوا للمكان جزءًا من تاريخه، عبر تخصيص محل مصمم بالطريقة التقليدية لبيع القطع الأثرية، وآخر لبيع التمور، كذلك متجر أو «دكان» لبيع المرطبات والمواد الغذائية. 

وأضاف أهالي مدينة أشيقر قيمة جديدة لتلك القرية، بعد أن أعادوا تأهيلها وترميمها وأضافوا مواقع جديدة لقريتهم التراثية، فتحولت تلك القرية التاريخية إلى مكان سياحي ومعلم بارز ومقصد للزوار الذين يجدون في شوارعها الضيقة مساحة من الزمن للوقوف على عتبات الماضي، والتعرف على كثير من تفاصيل الحياة القديمة. فالعناية بالتفاصيل الدقيقة في عمليات الترميم جعلت من المكان تحفة فنية وعلامة بارزة على خارطة السياحة السعودية. 

ممرات تشق البيوت 

الممرات الضيقة التي تسري بين منازل القرية، لا يقف أمامها بيت ليمنعها من الاستمرار، فقد اعتاد السكان قديمًا بناء المنازل الواقعة في طريق الممرات على جزأين، يربطها من الأعلى ممر يجمع جانبي المنزل، ليتاح للناس العبور من الممرات الصغيرة أسفلها. 

قرية لا تدخلها السيارات! 

تمتاز قرية أشيقر بميزة تنافسية بين القرى التراثية، إذ تعد هي القرية الوحيدة التي لم تقطعها الشوارع الحديثة، ما يجعلها خالية من السيارات، فما زالت القرية محافظة على النمط البيئي القديم نفسه رغم مرور سنوات عديدة على هجرها وانتقال سكانها إلى الأحياء الجديدة. 

عند زيارتك للقرية تستقبلك ديوانية الخراشي، حيث تقوم بضيافة الزوار والسياح بتقديم القهوة العربية و«تمر أشيقر» بالمجان. 

المدينة الحديثة 

عند زيارتك لمدينة أشيقر الحديثة التي تحيط بها الصحراء والجبال ومزارع النخيل. سيقابلك جبل معروف ومشهور يسمى ضلع الجنينة، ويقال إن القرية سميت بهذا الاسم نسبة إلى الجبل الذي كان يسمى بجبل الأشقر. وقد استحدث أهالي أشيقر في هذا الجبل متنزهًا ترفيهيًا للزوار يضم استراحات، وحدائق، وصالة احتفالات، وألعابًا للأطفال، وجلسات خاصة تطل على القرية التراثية «أشيقر القديمة». يعد المتنزه متنفسًا لأبناء المنطقة لما يحيط به من طبيعة جميلة من مختلف الجهات. 

تشهد القرية تنظيم مهرجانات تراثية، تتضمن فعاليات متنوعة من بينها مسرح مفتوح يعرِّف بتقاليد الآباء والأجداد، ومسرح للطفل، مع استدعاء الفرق الترفيهية لتقديم عروضها، وإقامة المسابقات والورش التدريبية للحرف والصناعات التقليدية، إلى جانب إقامة الخيام والألعاب الشعبية وسوق للأسر المنتجة. 

x
You are looking for