قاصد الشمال إلى جهة الغرب نحو منطقة تبوك، سيدرك معنى التنوع والثراء الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية، حينما يشاهد الثلوج التي تغطي بعض مناطقها خلال فصل الشتاء، أو في زيارته لمهرجان الورود والفواكه الذي ترتشف منه الأنوف بعبق لا تكاد تشبع من نهمه ورحيقه الآسر، في مشهد مغاير للطبيعة الذهبية لرمال المملكة العربية السعودية وصحاريها الممتدة. 

منطقة تبوك هي بوابة الشمال للجزيرة العربية، وعاصمتها مدينة تبوك الحالمة الرابضة في أقصى شمال غرب المملكة العربية السعودية. تلك المنطقة التي تتاخم البحر الأحمر في حدودها الغربية فتمسك بزمام خليج العقبة من جهة الشرق قبالة سيناء، وتنحدر جنوبًا حتى مسافة 700 كيلو متر، هي نصيبها من سواحل المملكة العربية السعودية من جهة الغرب. 

لطالما كانت تبوك طريقًا حيويًا للتجارة والحجاج والمعتمرين على مر الزمن، إذ مرت المنطقة بحقب تاريخية، خلفت الكثير من الآثار والرسومات والنقوش والكتابات عبر العصور مدللة على الحضارات التي عايشتها المنطقة قديمًا. تستمد تبوك شهرتها في الإسلام من غزوة تبوك، والعين التي فجرها الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما عسكر بها، ومسجدها المنسوب إليه، والذي يسمى مسجد التوبة، والذي بني في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز بالعصر الأموي بالحجارة المنقوشة. في العهد الحديث استيقظت تبوك على دوي قطار الحجاز فازدهرت الحياة فيها وأصبحت محطة رئيسة للقطار، حتى مرت السنون وحل العهد السعودي الزاهر، فالتحفت معالم الحضارة والنماء في أبهى صورها. 

أكثر ما يجذب الزائر لمدينة تبوك اليوم هو حضور مهرجان الربيع أو مهرجان الورود والفواكه، اللذين تشتهر بهما تبوك، ويقدمان تعريفًا خاصًا حول المدينة الجميلة، ومنتجاتها الزراعية، إلى جانب ما تتيحه من مهرجانات وعروض فنية وفلكلورية. تحفل المنطقة بالكثير من المناطق السياحية الواقعة ضمن حدودها، تشهد على جمال طبيعتها الرائعة، وأجوائها الساحرة التي تجسدها منطقة الديسة الواقعة على بعد نحو 150 كيلو مترًا جنوب غرب مدينة تبوك، وتتكون من مضيق جبلي بين جبال قراقر، في ملتقى ثلاثة أودية رئيسة، إذ تحيط بها الجبال والحواف الصخرية ذات الأشكال الرائعة، التي نحتها الماء والهواء في صخورها الرملية مشكلة أعمدة غاية في الجمال، وسط مشاهد المياه المتدفقة من العيون التي تحفل بها الديسة. 

في شمال غرب مدينة تبوك على بعد نحو 200 كيلو متر منها، تقع منطقة حسمى أو ما يعرف بجبل اللوز، الذي يعد من أعلى المناطق الجبلية بالمنطقة، ويصل ارتفاعه عن سطح البحر نحو 2785 مترًا، وتكثر على سطحه أشجار اللوز، بينما تنتشر الرسوم الصخرية والنقوش القديمة في أنحائه. 

آثار تبوك 

يتناثر الكثير من معالم التاريخ ومواطن الحضارة القديمة في أنحاء منطقة تبوك في صورة قلاع وقصور قديمة، تشهد على ما تكتنزه المنطقة من تاريخ يفيض عبقه في الأنحاء، جاذبًا زوارها الباحثين في أروقة الماضي عن قرائن حضارية انقضت قبل آلاف السنين. لعل في قصر البجيدي ملامح الدلالة الشاهدة على أول قصر إسلامي مكتشف في تيماء يعود زمانه للعصر العباسي، بشكله المربع ونقوشه وكتاباته الإسلامية، في حين اعتاد الحجاج قديمًا اتخاذ قلعة الأزلم الواقعة جنوب محافظة ضباء محطة في طريقهم، منذ شيدت في عصر السلطان محمد بن قلاوون. أما قلعة البلدة الواقعة في محافظة الوجه فهي مقامة على مرتفع كبير يقدر بخمسين مترًا، بشكل مستطيل وذات برج واحد في ركنها الشمالي الشرقي، ويعود تاريخها إلى عام 1859، حيث كانت مقرًا لحماية البلدة في نهاية العصر العثماني. 

كانت قلعة تبوك إحدى محطات طريق الحج الشامي، وتتكون من دورين وأبراج مراقبة، وتضم فناءً مكشوفًا، وعددًا من الحجرات، ومسجدًا، وبئرًا. بينما قلعة ذات الحاج الأثرية الواقعة في شمال غرب مدينة تبوك، فيعود تاريخ بنائها إلى عام 971هـ. كما توجد قلعتان حديثتان عن غيرهما بالمنطقة وهما قلعة الملك عبدالعزيز بمحافظة ضباء، والتي بنيت عام 1933 لتكون مقرًا للحكم في البلدة، وقلعة الملك عبدالعزيز بمحافظة حقل، والتي كانت مقرًا لقوات الجيش وللإدارة، وتقع في الجزء القديم من المدينة الحالية. 

تعد محطة سكة حديد الحجاز بتبوك من المحطات الرئيسة للخط الحديدي، وتتكون من مجموعة من المباني التي جرى ترميمها وتجهيز متحف يوضح مراحل تاريخ إنشائها عبر مجموعة من اللوحات. ومن جهة الجنوب الشرقي لمدينة تبوك على بعد نحو 260 كيلو مترًا تقع تيماء، التي تعد من الواحات القديمة ذات الآثار العائد تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام. يحرسها السور الأثري الكبير البالغ طوله نحو 12 كيلو مترًا، بارتفاع عشرة أمتار، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس قبل الميلاد، بينما السور الداخلي فيحيط بمنطقة «قرية»، ويعد الأقدم إذ يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. 

من قصور تبوك، يشتهر قصر الحمراء الذي اكتشف عام 1399هـ، ويضم مسلة تحمل نصًا آراميًا، وآخر مكعبًا يحوي مشاهد دينية تعود للقرن السادس قبل الميلاد، بينما يستمد قصر الأبلق شهرته مما قيل فيه من أشعار تحدثت عن حصانته وعظمته، وروعة أسلوب بنائه. يعد قصر الرضم هو الآخر من القصور القديمة التي يعود تاريخها إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد، وهو مبنى مربع الشكل وسطه بئر ومشيد من الحجارة المصقولة ذات الدعامات الخارجية. 

من آثار المنطقة أيضًا بئر هداج التي تعد أكبر بئر في الجزيرة العربية وأشهرها، ويعود تاريخ حفرها إلى القرن السادس قبل الميلاد، ويبلغ محيط فوهتها حوالي 65 مترًا. أما منطقة «قرية» التاريخية فتقع في شمال غرب تبوك على بعد 90 كيلو مترًا، ويعود تاريخها إلى ألف عام قبل الميلاد، واكتشف فيها العديد من الأدوات الحجرية والآثار. 

يضاف إلى قائمة الآثار المتعددة بالمنطقة مبنى روافة الروماني النبطي الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وواحة البدع القديمة، التي تضم أضرحة منحوتة في الصخور ترجع إلى العصر النبطي، إلى جانب المويلح، الواقعة في جهة الشمال من مدينة ضبا ويرجع تاريخها إلى العصر المملوكي، وتعد من المحطات الرئيسة على طريق الحج المصري، وأكبر القلاع المشيدة على هذه الطريق. بينما تمثل الزريب منزلاً لقوافل الحجاج، جرى تشييدها عام 1026هـ، وتقع على بعد 20 كيلو مترًا شرق مدينة الوجه. 

تقع آثار الحوار إلى الشمال من مدينة أملج على بعد 10 كيلو مترات على الشريط الساحلي، ويعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام والقرون الهجرية الأولى. وهي الآن منطقة مغمورة تحت الرمال وتظهر منها بعض المظاهر السطحية، ووصفت من قبل بعض المؤرخين بأنها مدينة مسورة بها آبار وجامع وقرية عامرة، كما توجد بها معالم تعود للقرن الرابع الهجري. 

x
You are looking for