تميزت مدينة الطائف بتضاريسها التي جعلتها فريدة عن بقية منافساتها الجميلات على ظهر السراة. وإذا كانت السراة العظمى تلك قد أولدت مدنًا بديعة معتدلة المناخ، شكلت عقدًا من مدن المملكة معتدلة المناخ، فإن مدينة الطائف هي واسطة تلك القلادة وحبتها الأغلى. ذلك الموقع الفريد قد أدركه جغرافيو العرب الأوائل، فقالوا عن الطائف إنها قطعة من بلاد الشام، وهكذا دخلت فرضية الشام من أوسع الأبواب لتبرير ذلك التميز الذي حظيت به أجواء الطائف من بين سائر مدن السراة. 

أجواء معتدلة  

تقل درجات الحرارة في مدينة الطائف بمعدل قد يزيد على اثنتي عشرة درجة مئوية مقارنة بالمواقع التهامية الواقعة بين أقدام السراة وبين سيف البحر الأحمر، ذلك أن ارتفاع الطائف عن مستوى سطح البحر لا يقل عن ألف وسبع مئة متر، والحرارة في الحالات العامة تتدنى بمقدار درجة مئوية واحدة لكل مئة وخمسين مترًا ترتفع عن سطح البحر. وهذا جعل للطائف حتى في الصيف طقسًا معتدلاً جاذبًا للسياح. وتلك صفة تهب الطائف تميزًا خصوصًا أن ظهر السراة كله يرتفع عن سطح البحر بمقدار مماثل، قد يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً لكنه ارتفاع على كل حال يدفع بدرجات الحرارة للتدني في مدينة الطائف وفي غيرها من مواضع السراة. 

صيف مدينة الطائف أقل غبارًا إذا ما قورن بمدائن السراة الأخرى، وشتاؤها أقل ضبابًا أيضًا، بل قد تمر فترة من الزمن على مدينة الطائف ولا ذرة غبار تعكر صيفها ولا سحْبَة ضباب تَغَشّى بصيرتها. وما صان مدينة الطائف من ذلك سوى التضاريس، حيث وقفت جبال الهدا أمشاطًا تحجز الضباب ليقف حائرًا خلفها وشكلت سلمًا يرتفع بغبار الخبوت التهامية عن مدينة الطائف. وفي الشرق والجنوب الشرقي تنخفض الأرض لتشكل مهابط آمنة لعوالق الهواء الصحراوي قبل أن تدخل المدينة فلا يصلها إلا الهواء النقي. 

أودية الطائف 

لو نظرت إلى مدينة الطائف من علٍ وقد خلت من كل أثر غير طبيعي، لرأيت أديمها أرضًا مخددة تقطعها الأودية وروافدها إلى أجزاء صغيرة متراصفة كما يتراصف البلاط في فناء واسع. تتوزع تلك الأودية بين أودية رئيسة وبين روافد ودون ذلك، وتسير الرئيسة منها في اتجاه شمالي شرقي وأولها للقادم من الجنوب وادي ليّة الذي يحف بالمدينة من هوامشها الجنوبية بطول يزيد على ستة وعشرين كيلو مترًا قبل أن يرفد المياه المتجهة إلى وادي تربة، وقد أقيم عليه سد في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، ويوفر الوادي وروافده بيئة زراعية كانت ولا تزال على قدر كبير من الأهمية. 

أما وادي وجّ الذي يوشك أن يقسم مدينة الطائف إلى نصفين فإنه يقطع مسافة تصل إلى واحد وعشرين كيلو مترًا قبل أن يتماهى مع وادي العرج في الشرق، مشكلاً مثل سابقه بيئة زراعية تمتد من الوهيط والوهط وسد عكرمة الأثري إلى المثناة وحوايا حتى بساتين جبرة، وإلى تفريعات قامت عليها بساتين الجال والقطبية والجفيجف، وما يلحق بها من مستوطنات زراعية قديمة، يليه وادي مسرة الذي يوشك أن يشكل حدًا شماليًا للمدينة بطول أربعة عشر كيلو مترًا قبل أن يتماهى مع وادي القيم متجهًا نحو الشرق والشمال الشرقي. وهناك أودية أخرى مثل وادي وقدان، ووادي عرضة، ووادي المحرم. ولكل من هذه الأودية روافد شكلت شبكة تصريف معقدة تغطي سطح المدينة وهوامشها بصورة كاملة. 

شبكة التصريف تلك مسؤولة بالكامل عن تكوين أرضية المدينة التي جاءت مثل سرير من الأرض الخصبة جعلت من الطائف بستانًا للحجاز منذ فجر تاريخه. كما أنها جعلت من أرض الطائف إسفنجة مشبعة بالماء، فإذا أضفنا الجو البديع الذي تضافرت جهود المكان على تنقيته فإننا ندرك لماذا عدّها الأولون قطعة من الشام تربعت على جبل غزوان، وإذ نشم عبير ورودها نعرف ما الذي جعل منها مدينة للورد، وحين نفك أسرار عسلها نكتشف ما الذي جعل منها مدينة للعسل، وسر ذلك الهواء الذي نصفه بالهواء العليل ويدبج الشعراء في نقائه غرر قصائدهم. 

المتنزهات 

هذا عن مدينة الطائف فقط، وهي الهدف الكبير للسائح المحلي والخليجي والعربي والعالمي بما أودع الله فيها من محاسن الطبيعة، وبما اكتسبت من جوارها لمحافظات ذات سمات سياحية، وبما أنشأت عليها الدولة من مرافق عامة ومرافق سياحية كان آخرها متنزه الرُّدَّف، المتنزه العريق الذي شب عن الطوق وغادر كلاسيكيته المعتادة ليصبح من أهم المعالم السياحية بالطائف، جنبًا إلى جنب مع الحدائق الكبرى، ومدن الترفيه في الهدا، ومتنزهات الشفا حيث الحواف الجبلية المهيبة، إضافة إلى المهرجانات والأنشطة الفنية والثقافية التي تنظمها جمعيات الثقافة والفنون، والأندية الأدبية، أو الأمانة والبلديات. ولن تغيب عن ذاكرة السائح ملامح ذلك المهرجان الدولي الكبير الذي بدأ يأخذ مكانه بين المهرجانات الثقافية الدولية وهو مهرجان سوق عكاظ. 

الوصول إلى الطائف 

الطائف مدينة في متناول يد السائح لسهولة الوصول إليها، فيها المطار الذي أصبح دوليًا، وإليها تصل الطرق الحديثة قادمة من الرياض وعموم نجد، ومن مكة المكرمة وجدة، ومن المدينة المنورة، ومن الجنوب عبر منطقة الباحة. وفي مقدور السائح أن يجعل من الطائف محطة ينطلق منها إلى مكة المكرمة للعمرة عبر طريق الهدا الذي جعل الطائف حيًّا من أحياء مكة، أو عن طريق السيل لمن لا يحب وعورة الجبل، أو ينطلق إلى الشرق حيث البيئة الصحراوية في بلدة الحوية وهوامشها المختلفة، أو إلى الجنوب الشرقي حيث بلدة تربة بوابة نجد وفيها جبل حَضَنْ ومن رأى حَضَنًا فقد أنجد، وحيث القاع الذي حلّ فيه الريم بين البان والعلم، ومن بعد تربة هناك رنية والخرمة بوابات عسير، حيث تمتزج نجد بالحجاز بعسير في تلك البقاع. وفي تربة والخرمة ورنية فرصة للسائح يتعرف فيها إلى بساتين النخيل الواسعة، والتي اشتهرت بإنتاج التمر المعروف بالصُّفْرِي. 

أما إذا رأى السائح أن يسلك خط القمم فإنه سيجد متعة لا تنتهي وهو يعبر من الهدا إلى الشفا، ثم عبر الطريق السياحي إلى ديار بني سعد، وبني الحارث حيث ينفتح الأفق أمامه على مدن وقرى عريقة نحو السَّر، وسمنان، وجدارة، والصور، وميسان، ثم إلى الجبال التي تجري فيها الأودية لبنًا وعسلاً في حِدَاب بني شبابة الأشهر في إنتاج العسل، ثم إلى ديار بجيلة التي تعرف اليوم ببني مالك في القريع ومَهْوَر وحدّاد، إذ سيجد الزائر فيها كثيرًا من جمال الطبيعة وروعة الطقس. 

 

x
You are looking for