يبحث بعض السياح العرب عند سفرهم عن وجهات تلائم ثقافتهم وتطلعاتهم، تتقارب إلى حد ما مع طريقة العيش في بلدانهم الأصلية، من مطاعم ومقاهٍ حتى المساجد، وغير ذلك من المظاهر التي تضفي أُلفة على زيارتهم إلى هذه الوجهات.
عند الحديث عن الوجهات التي تقدم تجربة جديدة للمسافر ولكنها في الوقت نفسه تنسجم مع السائح العربي، فإن العاصمة الماليزية كوالالمبور تعد وجهة ملائمة، إذ تؤلف بين كثير من الأجناس والحضارات مع ثراء تاريخي واقتصاد مزدهر. حينما يصلها السائح العربي يتلمس الروح الإسلامية في ثنايا المدينة، مع شعب ودود لا يبخل على السائح بإلقاء التحية والسلام.
كوالالمبور مدينة سياحية من الطراز الأول، وهي المركز المالي والاقتصادي والثقافي في ماليزيا. تتسم بروح حديثة ولكنها لم تتخلَ عن تاريخها وتراثها، فبينما تشتمل على أحدث الصروح والمراكز التجارية، تقع في أنحائها شوارع شعبية تحكي قصص حياة الماليزيين منذ القدم.
ترحاب بالسائحين
انسجام كوالالمبور مع السائح العربي جعلها تتحدث لغته، وهو ما تعكسه كثير من المشاهد التي يصادفها السائح في الشوارع، ومن ذلك عدد من اللافتات في الطرقات العامة التي تُكتب باللغة الماليزية الرسمية واللغة العربية. لذلك تحتل مكانة خاصة في قلب السائح العربي، لأنها تفهم متطلباته وتلبيها في صورة خدمات متميزة تضم المطاعم العربية التي يصنف بعضها على مستوى رفيع من حيث جودة الخدمة والطعام، كما أنها تقدم مجموعة راقية من الفنادق بأسعار مقبولة جدًا، فضلاً عن تجربة التسوق في مراكزها التجارية الراقية، وأسواقها الشعبية الجميلة.
مزارات متنوعة
في المنطقة التاريخية بكوالالمبور يقع قصر السلطان عبدالصمد الذي يعد أحد معالم المدينة بتصميمه الإبداعي. يقع القصر في ساحة الاستقلال التي شهدت إنزال العلم البريطاني عام 1957، ورُفع مكانه العلم الماليزي لإعلان استقلال ماليزيا عن الاستعمار البريطاني.
يطلق على كوالالمبور المدينة صاحبة أشهر توأمين في العالم إشارة الى برجي بتروناس المتطابقين من حيث التصميم، واللذين كانا في وقت من الأوقات أعلى برجين في العالم، إذ يبلغ ارتفاع كل منهما 425 مترًا، ويضمان 88 طابقًا، ويوجد في البرجين 78 مصعدًا. يعرف البرجان أيضًا باسم المنارة بتروناس نسبة لاسم شركة النفط التي طلبت بناء البرجين اللذين ينظر إليهما على أنهما من أعجب الأعمال الهندسية وأضخمها في العالم. المسقط الأفقي لكل برج صمم وفقًا للنمط الهندسي الدارج في العمارة الإسلامية.
يتميز متحف الفنون الإسلامية الذي افتتح عام 1998 وأصبح واحدًا من المؤسسات العالمية الرائدة في مجال الفن الإسلامي بمبناه الذي يجمع بين الحداثة والأصالة، وتُعرض فيه نسخ نادرة وقديمة للقرآن الكريم، والمخطوطات، والخزفيات، إضافة إلى معرض خاص بالجواهر يمثل عصر المغول في الهند الذين اشتهروا بمصوغاتهم.
أما الباحثون عن الطبيعة الخلابة فيمكنهم الذهاب إلى حديقة الطيور التي تعد الحديقة الأجمل بالعاصمة، وإحدى أكبر الحدائق في ماليزيا، وتضم أكثر من مئتي نوع من الطيور المحلية والأجنبية. بينما تعد أكواريوم عالم البحار من أفضل الأماكن المناسبة للعائلات والأطفال، إذ تضم أكثر من خمسة آلاف كائن بحري متنوع، وتقام فيها عروض خاصة يوميًا. تقع أكواريوم في منطقة المثلث الذهبي على مقربة من أبراج بتروناس، وتتخذ من بهو مركز كوالالمبور للمؤتمرات موقعًا لها.
الطابع الإسلامي في كوالالمبور طاغٍ بصورة واضحة في أنحائها، لذلك تضم مجموعة من أجمل المساجد، ومن أبرزها المسجد الوطني الذي تحوَّل إلى مزار يقصده السياح للوقوف على هندسته المعمارية الجميلة، وقبته التي جرى تصميمها على شكل مظلة. أما مسجد جامك الذي يرجع تاريخه إلى عام 1909 فيعد أقدم مساجد المدينة وأطولها عمرًا، ويقع عند نقطة التقاء نهري كلانج وجومياك، في الموقع الذي يجسد مهد نشأة مدينة كوالالمبور نفسها. هذا الطابع المعماري المتميز يمتد إلى كثير من معالم كوالالمبور القديمة، ومن ذلك محطة قطارات كوالالمبور القديمة، التي بُنيت عام 1910 بأسلوب معماري مدهش يجذب الزوار في جولات خاصة لمشاهدة هذا الصرح الرائع.
مدينة التسوق
ميزة كوالالمبور أنها مدينة لا تنام، وليلها يشبه نهارها. ففي فترة المساء تضج المدينة بالحيوية، وينتشر الباعة من الساعة الخامسة عصرًا حتى وقت متأخر من الليل لبيع المنتجات المحلية. تجسد الأحياء الصينية في مدن جنوب شرق آسيا حركة الهجرة إلى تلك المناطق، ومن تلك الأحياء الواقعة في كوالالمبور تشاينا تاون الذي ينتشر فيه بيع المنتجات الصينية، مع إمكانية التفاوض مع الباعة حول الأسعار والحصول على البضائع بأسعار مقبولة.
يعد مركز سوريا KLCC «الشمس» من بين أهم المراكز التجارية بالعاصمة الماليزية، ويقع بمحاذاة برجي بتروناس، ويضم مجموعة كبيرة من أرقى العلامات التجارية العالمية. بينما يقع مركز بافيليون في الوسط التجاري للمدينة. أما مركز سوغو التجاري فيتيح للمتسوقين شراء الكماليات والملابس بأسعار متوسطة.
يبقى شارع بوكيت بنتانغ أحد أشهر شوارع التسوق الشعبية في كوالالمبور، ويشتهر باسم شارع العرب لكثرة توافد السياح العرب إلى الشارع، لقربه من المنطقة المركزية بالمدينة، وتوافر كل الخدمات التي يبحث عنها الزائر، من الأسواق، أو محلات الصرافة، أو المقاهي والمطاعم التي يمتد عملها إلى وقت متأخر من الليل.
تبقى تجربة الشراء من الباعة الذين يعرضون بضائعهم على جانبي الطريق أحد الخيارات التي يفضلها بعض السياح، لكنّ هناك أسواقًا مسقوفة ومحلات تبيع جميع المنتجات من ملابس، وكماليات، وبضائع جلدية في أنحاء كوالالمبور، لتمنح زائرها كل الخيارات التي يبحث عنها في تجربته في جنبات هذه المدينة الآسرة.