في الجزء الأقصي من الركن الجنوبي الغربي للمملكة العربية السعودية، تقع منطقة جازان، بإطلالتها على البحر الأحمر الذي يمنحها بريقًا فيروزيًا تستمد كثيرًا من جمالياته مع أرخبيلها الساحر المعروف بجزر فرسان التي تعد من أكثر مناطق المملكة ثراء بالجزر ذات الطبيعة الساحرة.

جذور تاريخية قديمة

يرجع بعض المصادر التاريخية عمر هذه المنطقة إلى أكثر من 8 آلاف عام قبل الميلاد، وقد اختلف كثير من المؤرخين في أصل تسميتها، وتعددها على مر العصور. ومن أشهر هذه المسميات المخلاف السليماني، وهو المسمى الذي عرفت به في القرن الرابع الهجري، حتى دخولها تحت مظلة التوحيد في العهد السعودي. ومهما كانت الأسماء التي اختُلف فيها إلا أن رؤية الباحثين والمحققين أعادتها إلى اسمها الحالي وهو جازان.

 إن منطقة جازان ضاربة الجذور في التاريخ، ولها قدم سابقة في الحضارة الإنسانية، جعل منها منطقة جذب سياحي، ومتحفًا مفتوحًا لتاريخ وإرث حضاري تليد. فقد ذكرها كثير من المصادر التاريخية القديمة، بما شهدته من أحداث عظيمة، ومراحل مختلفة مرت عليها في الجاهلية والإسلام، فضلاً عن ارتباطها الوثيق بإقليم تهامة الذي أسدل عليها كثيرًا من جماليات تضاريسه لتحتفظ جازان على مر تاريخها بأهميتها، مستندة في ذلك إلى موقعها الاستراتيجي على ساحل البحر الأحمر، الذي تشرف من خلاله على قارة إفريقيا، وهو ما سمح لها بأن تكون بوابة الجزيرة العربية التجارية للقارة السمراء، منذ أكثر من 3 آلاف سنة وفقًا لإشارات وردت في الكتابات التوثيقية في المتاحف الوطنية في المملكة العربية السعودية. كما أن الموقع ذاته أكسبها أهمية أخرى بمرور القوافل التجارية بها، وبخاصة رحلة قريش التجارية إلى اليمن والحبشة، قبل أكثر من ألفي سنة.

جارة البحر

تكتنز منطقة جازان بتنوع جغرافي جعل منها منطقة مميزة من بين مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة، حيث تكثر فيها المرتفعات الجبلية، وفي مواقع ليست بعيدة عنها تكتسي برداء ذهبي تجسده الأرض الصحراوية بكثبانها الرملية، ترافقها سهول منبسطة مكسوة بالخضرة، بما يجعل من مناخها في طابعه العام معتدلاً في أشهر الصيف، وباردًا في الشتاء، متأثرة في ذلك بمجاورتها للبحر الأحمر.

 كل هذه الميزات المناخية والتضاريسية أهَّلت منطقة جازان لأن تكون منطقة جذب سياحي مؤثر في النشاط السياحي السعودي، فإضافة إلى عامل المناخ، فإن ساحل البحر الأحمر يمثل هو الآخر مشهدًا طبيعيًا ساحرًا يضاف إلى الميزات الطبيعية لهذه المنطقة. وفوق ذلك كله فإن هذه المنطقة تمتاز بنشاط زراعي واسع النطاق في أراضيها التي تكثر فيها الوديان، وتتنوع فيها المحاصيل الزراعية من الحبوب والخضراوات والفواكه. وقد ساعد على زيادة النشاط الزراعي فيها قيام مشروع سد وادي جازان الذي يعد واحدًا من أكبر السدود وأهمها في المملكة، الأمر الذي جعلها من أكثر مناطق المملكة من حيث النشاط الزراعي والمحاصيل المنتجة منه. ومن أهم هذه المنتجات الزراعية الفواكه كالمانجو والباباي والموز، وبعض الغلال مثل الدخن والسمسم، وعدد من الحبوب وغيرها من المحاصيل الزراعية التي تنتجها جازان من طمي أرضها الخصبة. ويضاف إلى ذلك وجود عدد من المواقع الخاصة بالاستزراع السمكي.

أهم معالم جازان

شهدت منطقة جازان في حاضرها اهتمامًا كبيرًا من قبل القيادة، سواء على مستوى البنية التحتية فيها، أو المعالم التاريخية والحضارية والأثرية والسياحية بها، بما هيأها الآن لاستقبال المصطافين والزائرين على مدى العام. لعل من أبرز المناطق السياحية في هذه المنطقة:

جزر فرسان

تتألف من أرخبيل من الجزر يقع في جنوب البحر الأحمر، من أهمها جزيرة فرسان، والسقيد، وقماح، ودمسك، وزفاف، ودوشك، وكيرة، وسلوية. تضم هذه الجزر آثارًا كثيرة من أبرزها القلعة العثمانية، ومباني غرين، ومسجد النجدي ووادي مطر، ومنزل الرفاعي، وبيت الجرمل، والكدمي، وقلعة لقمان والعرضي. وقد تكاملت لهذه الجزر عوامل الجذب السياحي من مناظر طبيعية خلابة، وشاطئ لممارسة الرياضات البحرية المختلفة، مع الآثار التاريخية العتيقة، ووجود المرافق السياحية والمشاريع الكبرى التي اهتمت بهذا الجانب.

القرية التراثية

تمتد القرية التراثية على كورنيش جازان الجنوبي، مشكلة معلمًا حضاريًا يشج الماضي بالحاضر، لتقف شاهدة على عراقة هذه المنطقة وتاريخها في حقبها المختلفة. في داخلها كثير من المعالم منها البيت الجبلي الذي يقف شامخًا بطوابقه الثلاثة، ومعماريته العريقة التي تحدَّت الاندثار، بما تملكه من صلابة وقوة تناغمت مع البيئة الجبلية بكل وعورتها، وقدرة الإنسان على تطويعها من خلال تشييد البيوت، وتسخير الأرض للزراعة عبر المدرجات التي تكسوها الخضرة اليانعة. هناك أيضًا البيت التهامي الذي يكشف عن بساطة الحياة التهامية في صورة العشة الطينية. تضم القرية كذلك بيت الفرساني في وسط البحر مرتبطًا بجسر مع القرية التراثية. وهنا تجسيد حقيقي لجزيرة فرسان التي تبدو ماثلة ببيتها حيث البحر واللؤلؤ والأصداف. أما وسط القرية فهناك حركة تجارية عتيقة عبر السوق الشعبية بمعروضاتها الأثرية والتراثية، والأواني التقليدية، والنباتات العطرية التي تفوح منها رائحة الفل والكادي.

أطلال مدينة جازان العليا

هي مدينة تاريخية تعرف باسم جازان العليا وتسمى درب النجا أيضًا، وتقع شرق بلدة حاكمة أبو عريش، وتدل آثارها على ماضٍ عمراني عريق، إذ يرجع بعض المؤرخين عمرها إلى القرن الرابع الميلادي. تضم المدينة حصونًا وقلاعًا كثيرة، كانت أشهرها قلعة الثريا التي صمدت حتى القرن الحادي عشر الهجري، كما كانت تضم مسجدًا أثريًا لم تبق منه إلا أساساته. ويحيط بالمدينة سور يبلغ سمكه نحو مترين، ويضم على مقربة منه برجًا للمراقبة.

القلعة الدوسرية

قلعة عسكرية أثرية تقع وسط مدينة جازان فوق جبل يطل على البحر في أعلى قمة جبلية في مدينة جازان، وتعود لفترة متأخرة من العهد العثماني. وهي قلعة ليست كبيرة المساحة، إذ لا تتجاوز مساحتها 900 متر مربع، وهي مدعمة بأربعة أبراج ضخمة.

سد وادي جازان

أنشئ هذا السد على سلسلة من الجبال المرتفعة المنتهية من الغرب بسهل ساحلي ينحدر تدريجيًا نحو البحر الأحمر لتحقيق جملة من الأهداف الأساسية من أهمها تخفيف حدة الفيضانات الكبرى ودرء خطرها عن الأرواح والممتلكات، والتحكم في المياه المخزونة لاستثمارها في النشاط الزراعي.

جزيرة المرجان

تتميز برمالها الذهبية التي جعلت منها مقصدًا لهواة الرياضات الشاطئية والغوص والسباحة، مع توافر الخدمات كافة، ما جعلها من أهم الوجهات لأهالي جازان، وأشهر شواطئ المنطقة شهرة.

صروح حضارية

تقع مدينة جازان الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر على بعد 66 كم باتجاه الشمال من مدينة جازان، وتبلغ مساحتها نحو 103 ملايين م2، وتهدف إلى توطين الصناعات الثقيلة، والصناعات البتروكيماوية والتعدينية والتحويلية، إضافة إلى توفير الإمدادات الحيوية للطاقة، وتوطين صناعة السفن، واستثمار الثروات المعدنية، والزراعية، والحيوانية، والسمكية. أما ميناء جازان فيقع على مسافة تقل عن 400 كيلو متر تقريبًا شمال مضيق باب المندب. ويعد أحد الموانئ السعودية المهمة على البحر الأحمر، نظرًا لوجود طرق التجارة البحرية الشرقية والغربية بين أوروبا والشرق الأقصى والخليج العربي وشرق إفريقيا.

 بهذه الخلفية التاريخية الثرية والواقع الحضاري المزدهر، حجزت جازان لنفسها موقعًا فريدًا على خارطة السياحة السعودية، لتصنف من أجمل الوجهات التي يُتوقع لها أن تكون مصدر جذب متقدم وفق رؤية السعودية الجديدة التي تضع السياحة أولوية في تنويع مصادر الدخل الذي تنتهجه المملكة في سنواتها المقبلة.

 

x
You are looking for