هل تعد الأحساء واحة للنخيل فقط، أما هي واحة يتريض فيها التاريخ لما تتمع به من موقع جغرافي أهّلها لتلعب دورًا مهمًا في تاريخ المنطقة؟
كانت الأحساء بوابة شبه الجزيرة العربية نحو أجزاء كثيرة من العالم، وجسر التواصل بين الخليج وشبه القارة الهندية. وكانت لها صلات حضارية مع العالم القديم من الشام ومصر وبلاد الرافدين، يشهد على ذلك الاكتشافات واللقى الأثرية تحت رمال الأحساء. فهذه المحافظة واحة للنخيل والتاريخ.
تقع محافظة الأحساء في الجانب الشرقي من المملكة العربية السعودية، وهي، بحسب المناطق، تتبع للمنطقة الشرقية. كما تعد أكبر المحافظات، حيث تبلغ مساحتها 375 كم مربعًا. وهي منفذ بري يربط المملكة بثلاث دول خليجية، ومعبرًا مهمًا لقوافل حجيج تلك المناطق فيما مضى.
النخيل الباسق
واحة نخيل الأحساء تستمد تميزها واختلافها عن بقية واحات النخل في العالم بأنها الأكبر والأشهر والأكثر طبيعية. تحتوي على أكثر من ثلاثة ملايين نخلة منتجة لأجود التمور تحتضنها الواحة بين ثناياها، فضلاً عن الموقع الجغرافي والتاريخي الذي تميّزت به لتكون صلة الوصل بين الحضارات القديمة منذ آلاف السنين. هذه المقومات جعلت الواحة تستحق وبجدارة أن تكون ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي «اليونيسكو» وتُسجل في عام 2018 موقعًا تراثيًا سعوديًا خامسًا في القائمة.
الحديث عن النخيل في الأحساء، حديث ذو شجون يبدأ من النخلة ولا ينتهي حتى بذلك النوع الفريد من التمر المسمى «خلاص»، فهو خلاصة المذاق الحلو الغني بالطعم الذي لا ينسى. فنخيل الأحساء مصدر للغذاء إذ ينتج أكثر من مئة ألف طن من التمور سنويًا. وهناك كثير من السلع التراثية المصنوعة من سعفها وليفها، إضافة إلى الجمال الباسق. يسقى هذا النخيل الممتد طولاً وتاريخًا من القنوات المائية والعيون والآبار، وهو مخضر طوال العام والسنين.
التاريخ الحضاري
الحضارة لا تقف على اليوم ولا المنجزات الحديثة والعصرية، بل هي امتداد لحضارات عريقة تُلمس من مؤشرات وآثار ولقى. كذلك محافظة الأحساء التي لا تقف حضارتها رهنًا لما وصلت إليه اليوم، بل هي حكاية من الحضارة التي كانت منذ آلاف السنين. يوجد في الأحساء عدد من المواقع التراثية المهمة والتي تعد مقصدًا سياحيًا لافتًا، ومحرضًا على البحث في كتب التاريخ.
يعد مسجد جواثى أحد المساجد الأولى في الإسلام، ويقع في شمال شرق مدينة الهفوف التابعة للمحافظة، وحوله دلائل استيطان، ويعد أول مسجد بني في المنطقة. القصور في محافظة الأحساء ومدينتها الهفوف شهود على ذلك الزمن الجميل الذي صار أجمل. لكن الجميل الذي تم تأهيله لزيارته وقصده يستحق أن يذكر بدءًا من قصر إبراهيم الأثري الواقع في الهفوف، في حي الكوت، وقصر صاهود، وقصر محيرس اللذين يقعان في مدينة المبرز شمال محافظة الأحساء، وقصر أبو جلال الذي يقع في قرية الوزية ويعد جزءًا من واحة الأحساء.
يعبر كل من متحف الأحساء الوطني وسوق القيصرية بالهفوف عن بُعد إنساني جميل لسكان محافظة الأحساء، ويجسدان مقاصد جميلة ومهمة لابد للسائح أو الزائر أن يمر بها.
التضاريس الساحرة
تضاريس محافظة الأحساء كأنها مغارة تُفتح على كنوز طبيعية تملأ المدى، ومتاحة للمغامر والمكتشف، وكل من يحب تتبع غرائب التضاريس. هناك جبل قارة بالقرب من الهفوف وهو معلم سياحي مميز يضم الكهوف والمغارات الأثرية. المكان يمتاز ببرودته حتى في عز فصل الصيف شديد الحرارة. كذلك تحتوي تضاريس الأحساء على رمال ذهبية هي مدٌ من الربع الخالي وجمال فوق الجمال. بالإضافة إلى عين الجوهرية التي تقع بالقرب من قرية البطالية، شرق شمال الهفوف، وتشتهر بمائها العذب. وبحيرة الأصفر واحدة من هذه التضاريس الرائعة في الأحساء، تقع في شرق المحافظة، وهي أكبر تجمع مائي مسطح في الخليج إذ يبلغ طولها 25 كم، وهي الوحيدة من نوعها في السعودية. تعد بحيرة الأصفر ملاذًا رائقًا للطيور المهاجرة، ومتنفسًا لأهالي المنطقة.
كل بقعة ومكان من محافظة الأحساء له وهج وحكاية وألق، سواء من التاريخ العريق، أو من التراث الإنساني المجيد، أو من جمال التضاريس المهيبة.