على مدى قرون ظل ميناء العقير بوابة تاريخية لقاصدي السواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية، بل إن الميناء العريق ترجع جذوره التاريخية إلى نحو ثلاثة آلاف عام، حيث حضارة الكنعانيين العرب الذين اتخذوا من الموقع موطئ قدم على ساحل الخليج العربي. هذا الميناء الواقع بمنطقة الأحساء شرق المملكة العربية السعودية كان الميناء البحري الأول للمملكة العربية السعودية على الخليج العربي، وسببًا رئيسًا في رواج حركة التجارة على مدى عقود، وقد تعاظمت أهميته بعد أن نجح الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، في ضم الأحساء لتنضوي تحت راية المملكة العربية السعودية، ليصبح بوابة لتوريد البضائع إلى نجد.
في العقير هوية عريقة ودلائل تاريخية تسكن المكان يجسدها العمران الفريد والباحات الفسيحة التي مثّلت ملتقى للتجار الوافدين إلى الأحساء وأهل المنطقة لعقد الصفقات وشحن البضائع إلى شتى أنحاء البلاد، الأمر الذي عظّم من أهمية الميناء كونه منفذًا مهمًا للواردات على مر التاريخ، قبل أن تتراجع أهميته بعد اكتشاف النفط وإنشاء موانئ أخرى قريبة من مواقع الآبار المكتشفة في الدمام والظهران لتستكين صفحة المياه على سواحل العقير مع تغير اتجاهات حركة السفن التجارية الوافدة، ويظل الميناء شامخًا بأبنيته العتيقة التي تحكي قصصًا تاريخية تنبض حياة وتستدعي الذكريات كلما جاءت سفينة تمخر عباب البحر مُذكرة بالعصر الذهبي للميناء.
تاريخ حافل
ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أن العقير قرية على شاطئ بجوار هجر. وترجع أصل التسمية إلى قبيلة يقال لها "عجيروا" أو "أجاروا" سكنت المكان في الألفية الأولى قبل الميلاد، ويشتهر الميناء بين أهل المنطقة باسم "العجير". وقد اهتم الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، بميناء العقير كونه بوابة اقتصادية مهمة للدولة السعودية الثالثة، إذ كان الميناء الرئيس حتى إنشاء ميناء الدمام. وظل العقير بوابة نجد البحرية ومعبر الاستيطان إليها امتدادًا لدوره التاريخي الذي تجاوز حركة الاقتصاد والتجارة إلى آفاق السياسية والشؤون العسكرية، لاسيما مع توقيع الملك عبدالعزيز، رحمه الله، معاهدة العقير الشهيرة بتاريخ 1341هـ 1922م، فضلاً عن اتخاذه، طيب الله ثراه، العقير موقعًا للاجتماع بالدبلوماسيين لمناقشة الأمور السياسية.
عمل الملك عبدالعزيز، رحمه الله، على تطوير الميناء، عبر إنشاء الجمارك والجوازات وغيرها من المنشآت التي ما تزال قائمة حتى الآن، تحكي جدرانها شطرًا من التاريخ العريق الذي عاصره الميناء على مدى سنوات ازدهاره قبل أن تتراجع أهميته عام 1377هـ-1957م، مع تحول الطرق التجارية ووجود الطرق الحديثة قرب الموانئ الجديدة.
أقسام الميناء
يضم الميناء عددًا من الأقسام والمباني منها مبنى الجمارك الذي جرى تسجيله في سجل الآثار الوطني، ويتكون من جزئين القسم الشمالي منه ينقسم إلى طابقين ويضم إدارة الجمارك، وبه فناء متصل برصيف الميناء على البحر، كان يجري من خلاله إنهاء إجراءات المسافرين. أما المبنى الجنوبي، فقد استخدم مستودعًا للجمارك لتخزين البضائع الواردة. كما يضم الميناء مبنى الجوازات، ومبنى الخان الذي كان مقرًا للسكن المؤقت للمسافرين، وتتميز أبنيته بالنمط المعماري المحلي حيث النوافذ الكبيرة ذات الرؤوس الزجاجية على شكل نصف دائرة، بينما تمثل الساحة الفسيحة المواجهة للبحر سوقًا كانت تجري فيه عملية تبادل البضائع وعقد الصفقات بين التجار، إضافة إلى وجود المحال التجارية الصغيرة على امتداد مباني الخان. أما حصن العقير، فيتميز بأبراجه الأربعة وجدرانه المرتفعة، وقد بُني بهدف الحماية، حيث لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال مبنى الإمارة، حيث مقر الحامية التي تدافع عن البلدة إذا ما تعرضت للهجوم.
بينما كان مبنى الإمارة مقرًا لإدارة شؤون حكم البلدة والميناء، وقد بُني في وقت لاحق للخان والجمارك. أما مسجد الميناء، فقد شيد في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، ويقع غرب الخان، وقد بُني برج أبو زهمول في الفترة الزمنية نفسها على تلة مرتفعة، وهو برج اسطواني يحيط به سور، ويضم بئرًا عذبة للشرب.
ساحل ساحر
تضم العقير ساحلاً من أجمل سواحل المملكة، يمتد لنحو 45 كيلومترًا تقريبًا، تتداخل مياهه مع الشواطئ الرملية الضحلة التي تتناثر على امتداد الخلجان والرؤوس التي يقع الميناء ضمن إحداها، الأمر الذي جعلها مقصدًا للسياح للاستمتاع بطبيعتها، ومطالعة تاريخ الميناء العريق الواقع على بعد نحو 65 كيلومترًا من مدينة الهفوف. بالإضافة إلى ذلك تقع مجموعة من الجزر منها جزيرة الفطيم، وجزيرة الزخنونية التي تضم أطلال قلعة قديمة، وتقع على بعد نحو أربعة كيلومترات من الميناء، وكلا الجزيرتين مواقع مهمة للصيد.