القلاع والحصون رموز للأمن والقوة الدفاعية، تشي بذلك طُرزها في العمارة التي تكفل صد الأعداء ورد الهجوم. للقلاع تاريخ يُسطَّر وجمال يستوقف، إذ تجمع بين القصر والثكنة، وأحيانًا تكون أشبه ببلدات بأسرها فتسكنها عوائل متنامية تُكوِّن مجتمعًا يكتفي بذاته.
في المملكة العربية السعودية، وعلى مدى قرون وعقود وفي مناطقها المتعددة، هناك قلاع وحصون أثرية تستحق الوقوف والزيارة، فلكل واحدة من تلك القلاع طراز وتاريخ.
قلعة تاروت
حامية الشرق
تقع قلعة أو حصن تاروت الأثري على تل يتوسط جزيرة تاروت في شرق محافظة القطيف بمنطقة الأحساء. ويعود تاريخ بناء القلعة إلى عهد الدولة العيونية. وقد قام البرتغاليون بترميم القلعة إبان احتلالهم للقطيف في القرن السادس عشر الميلادي. بُنيت القلعة على شكل شبه بيضاوي مساحته تقرب من 600 متر مربع، يحيطها سور عريض شيد بالطين والجص والحجارة، ولها أربعة أبراج، انهار واحد منها.
أنشئ جوارها عدد من المنشآت، مثل حمام عين تاروت الكبريتية، وحمام عين العودة، ودكاكين للحرفيين. رُممت القلعة في العهد السعودي عام 1984م. واكتشف في نطاقها كثير من التماثيل واللقى التي تعود إلى عصر السلالات والعبيديين، وحضارة دلمون.
قلعة تبوك الأثرية
صمود الزمن
تعد قلعة تبوك الواقعة في شمال شرق مدينة تبوك بحوالي 250 كيلومترًا، واحدة من أهم محطات طريق الحج الشامي بين الشام والمدينة المنورة، وتجسد أصالة حضارة شمال المملكة بروعة بنائها. وهي شاهد باقٍ على أصحاب الأيكة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم.
جددت القلعة مرات عديدة عبر التاريخ، ثم رممت القلعة في العهد السعودي عام 1370هـ، 1950م، وأجريت عليها إصلاحات شاملة عام 1413هـ، 1992م.
القلعة مكونة من دورين. في الدور الأرضي عدد من الحجرات، ومسجد، وفناء مكشوف، وبئر، وسلالم تؤدي إلى الأبراج والدور العلوي، الذي يستخدم للحراسة والمراقبة.
قلعة مويلح
محطة الحجاج
تقع في قرية المويلح على شاطئ البحر الأحمر، تحفُّها أشجار النخيل. وتتبع محافظة ضباء في منطقة تبوك، وتبعد عنها بنحو 45 كيلومترًا. كانت فيما مضى إحدى المحطات المهمة على طريق الحج الساحلي. بُنيت عام 968هـ لتأمين طريق الحجاج وخدمتهم، خصوصًا القادمين من مصر، ثم جرت توسعتها في العهد العثماني، وتعد من أكبر القلاع بالمملكة إن لم تكن الأكبر.
تربض القلعة فوق مرتفع بالحجارة الرملية الملونة، ولها أربعة أبراج ضخمة. وقد جُهزت سطوحها بفتحات للمدافع، ولها نوافذ صغيرة على طول سورها، وبداخلها ما يقارب سبعين غرفة، فضلاً عن مسجد، وآبار، ومخازن أخرى.
سلّم الملك الشريف علي بن الحسين قلعة المويلح إلى الدولة السعودية ضمن اتفافية تسليم الحجاز بينه وبين الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، عام 1344هـ، 1925م في مدينة جدة.
قلعة أعيرف
أيقونة حائل
تنتصب قلعة أعيرف شامخة فوق جبل أعيرف الذي يتوسط مدينة حائل، وتعد أيقونة تاريخية للمدينة. تتناغم مشارفها مع طبيعة المكان الخلابة، فضلاً عن المباني العصرية التي تحيط بالجبل. وأعيرف جبل صغير تتدرج ألوان صخوره بين الحمرة والسمرة. بنيت قلعة أعيرف أولاً بالحجر قبل الإسلام لأغراض عسكرية، وفي نحو القرن الثالث عشر الهجري أعيد بناؤها بالحجر والطين المخلوط بأعواد التبن والبحص على النمط النجدي في البناء. وأجريت لها صيانة كبيرة في العهد السعودي.
بنيت القلعة من طابقين على شكل مستطيل يتواءم مع ارتفاعات الجبل وانخفاضاته، بطول 40 مترًا وعرض 11 مترًا، بسقف من أخشاب الأثل وسعف النخيل، وله برج دائري. وقد زينت الأسوار بالشرف المكسية بطبقة من الجبس. تنتشر على جدران الأسوار كوَّات وفتحات مراقبة، بينما صنعت البوابات من الخشب المزخرف. يتوسط القلعة مسجد ذو رواق واحد له خمسة أعمدة، وفناء صغير تستهوي الزائر تكويناته رغم بساطتها.
قلعة زعبل
إباء وشموخ
على قمة جبل صغير في الطرف الشمالي الغربي لمدينة سكاكا في منطقة الجوف تقع قلعة زعبل، التي بُنيت لأهداف عسكرية قبل نحو 400 عام على أنقاض مبنى يعود للحقبة النبطية. جاء البناء من الحجر والطين. وللقلعة أربعة أبراج في زواياها الأربع، وفي داخلها غرفتان ومدخل رئيس وحوض كبير لجمع الماء.
يمكن الوصول إلى القلعة عن طريق درب ضيق متعرج مشيًا على الأقدام، تتخلله بعض الأدراج الصخرية. وقد وقفت تلك القلعة صامدة لحماية المدينة ردحًا من الزمن، وذلك لقوة تحصيناتها وصعوبة الوصول إليها. تقع بالقرب منها بئر سيسرا التاريخية المنحوتة في أصل الصخر، والتي تعود إلى الفترة النبطية.
قلعة مارد
الحصن العصي
تقع قلعة مارد على جبل صغير وسط حي الدرع القديم في محافظة دومة الجندل بمنطقة الجوف، وتنتصب أيقونة لشموخ تاريخ المنطقة. بنيت من الصخور المصقولة بإتقان مدهش، وترجع إلى القرن الثالث الميلادي، حيث بقيت صامدة أمام موجات الأعداء عبر التاريخ، لتحصينها الحربي المتمرس. تتكون القلعة من ثلاثة طوابق بسلالم صخرية شُيدت بإتقان، تعج بالغرف والمجالس، ولها أربعة أبراج مخروطية في زواياها الأربع ترتفع لنحو 12 مترًا. وقد حفرت بئر عميقة داخل القلعة لا تزال عامرة بالمياه العذبة، وطويت من الداخل بالصخور المشغولة.
أغارت زنوبيا ملكة تدمر يومًا على دومة الجندل واستعصت قلعة مارد عليها فقالت قولتها المشهورة: تمرد مارد وعز الأبلق. والأبلق حصن آخر في تيماء. وقد توالت ترميمات الحصن على مدى ألفي سنة تقريبًا.
تستمد قلعة مارد أهميتها من المكانة التاريخية لدومة الجندل. وقد زار القلعة عدة مستشرقين ووقفوا عليها، أبرزهم الفنلندي جورج أوغست فالين، والليدي آن بلنت صاحبة الكتاب ذائع الصيت «رحلة إلى بلاد نجد»، والبريطاني وليام بالغريف.
جرت تهيئة قلعة مارد وحي الدرع بأكمله للسياح عبر ترميم المباني القديمة، ورصف الممرات، لتسهيل الوصول إلى القلعة.
قلعة المرقب
ماضٍ مجيد
إلى الغرب من مدينة المجمعة في إقليم سدير تقع قلعة المرقب أو حصن مُنِيخ. شيدها مؤسس المجمعة عبدالله الويباري الشمري عام 830هـ على جبل منيخ لحماية البلدة. بنيت بالحجارة والطين المخلوط بالتبن، ويرتفع برجها الأسطواني «المرقب» إلى أحد عشر مترًا. كما أن لها برجين آخرين أصغر من المرقب في جهتيها الجنوبية والغربية، وبها عدة غرف. ويحيط بالقلعة سور سميك بني بالطين والحجارة. استخدمت القلعة قديمًا ليتمركز بها الرماة وللمراقبة عند اندلاع الحروب. وكانت الغرف تستخدم لتخزين الذخيرة والمؤن. وبعد توحيد المملكة تحولت القلعة إلى معلم يروي ماضي المجمعة المجيد.
قلعة موسى بن نصير
حصن العلا
تسمى قلعة موسى بن نصير أو قلعة العلا، وتقع في محافظة العلا على الوادي الخصيب، في غرب المملكة. يعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس قبل الميلاد، وتعد من أقدم مباني العلا. سميت بقلعة موسى بن نصير، لأن القائد العظيم موسى بن نصير أقام بها في إحدى رحلاته.
بنيت القلعة بالحجر المشذب فوق هضبة صغيرة لحماية البلدة، وكانت تشرف على طريق رئيسة لقوافل الحج. مساحتها لا تتجاوز 180 مترًا مربعًا، بارتفاع 45 مترًا عن مستوى الأرض. في أسوارها عدد من فتحات المراقبة والرماية، وبها بئر محفورة في الصخر أسفل الجبل، ولها دَرَجٌ طويل مرصوف بإتقان يمكِّن الزوار من الصعود إليها. وقد مرت بمراحل تجديد متعددة عبر العصور.