منذ خمسة عقود تقريبًا، وأبها بكل بهائها تتأهب لأن تكون مدينة جذب سياحي، لما تتفرد به من خصائص جذب سياحي فريد بدأ من هويتها التاريخية والثقافية، وخصائصها المجتمعية المتنوعة، وموقعها الجغرافي الفريد، وسحر الطبيعة، وتحولات الطقس.

مضت أبها بثبات نحو حلمها، الذي تتطلع إليه، كأنما تستشرفه من علو ما يقرب من 2500 متر وهو مقدار ارتفاعها عن سطح البحر الأحمر، الأمر الذي جعلها ترفل ما بين أمواج من السحب، وأرض خصبة ندية، تجود بزراعات وافرة، ومنتجات متنوعة.

ووفق التنمية الشاملة التي شهدتها المملكة العربية السعودية، اختطت أبها لنفسها نسقًا تنمويًا يرفد تطلعاتها ويحقق حلمها في أن تكون أحد المقاصد السياحية العالمية، وبنت على هذا الحلم الخصيب ركائز مستقبلها السياحي، مؤهلة بتراث فريد وخصائص مناخية تتحول ما بين الثلوج خريفًا وشتاء، إلى مطر يومي ربيعًا، ثم برد معتدل ممطر صيفًا.

على علو شاهق يعانق السحاب لمرتفعات جبال السروات، تتكئ أبها على حوض من الجبال، كأنما هي حصنها المنيع، تزينه خضرة وماء، يحيلانها إلى بستان بهيج، لحنه النحل والطير، ورائحته البعيثران والشيح وأطياف الزهور، وعطر فائق الخصوصية ينبعث من أشجار العرعر التي تكسو جبالها، تحمله نسائم عليلة، تمتزج ببوح أمواج الضباب الكثيف، الذي يتسلل من بين الأشجار ويكسوها.

التاريخ والحاضر

في قلب مدينة أبها تناغم بين التاريخ والتراث والعصر. ففيها قصر شدا التراثي الذي شيد عام 1927، مقرًا للإمارة في عهد الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، وبطراز معماري يعكس نموذج المعمار في منطقة عسير، بقدر ما هو ملهم للتاريخ والتراث معًا، سواء بطريقة بنائه وتصميمه العمراني، أو بما يحتويه أيضًا من ذاكرة للمنطقة، كونه تحول إلى متحف، يروي التفاصيل عن منطقة عسير، من مخطوطات وصور وأنماط وأدوات حياة، ومسكوكات.

يحضر التاريخ أيضًا في وسط مدينة أبها، وإن بتجديد لا يخل بالأثر ممثلاً في قرية المفتاحة، وهي من القرى التي تم إحياؤها بدواعيسها وطرقاتها ذاتها وكذلك نمط بنائها، لتكون اليوم مركز إشعاع ثقافي، يجمع بين الفن التشكيلي ومركز الملك فهد الثقافي، ومسرح المفتاحة، الذي تقام عليه الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة.

في المكان ذاته، نجد التراث والتاريخ لا يغيبان الوجهة العصرية لمدينة أبها، كمدينة سياحية، إذ تمر من فوق وسط المدينة، قوافل السياح، المتجهة من الجبل الأخضر فوق متنزه أبو خيال، وإليه من موقع آخر قصر أبها المطل على بحيرة السد عبر وسيلة النقل الحديثة العربات المعلقة (التلفريك) التي تنقل الزوار، ذهابًا وإيابًا، دون الحاجة إلى المرور أو العبور من وسط المدينة.

متنزهات وطبيعة ساحرة

يطلق على المناطق السياحية المتعددة في منطقة عسير متنزهات منذ بدايات حلمها بالتحول إلى مدينة سياحية، حتى يومنا هذا، فبالرغم من المسافات المتباعدة بين مركز وآخر، وعن مدينة أبها نفسها أيضًا، إلا أن كل منطقة يطلق عليها متنزه مثل متنزه السودة، وهو من أهم الوجهات السياحية في منطقة عسير. ونكاد نجزم أن ما من سائح أو زائر للمنطقة، يستطيع أن يفوِّت على نفسه فرصة اللقاء المباشر مع السحاب.

في متنزه السودة، تكتشف عجز اللغة عن وصف اللحظة، ووصف المكان، إذ بمقدورك أن تتعايش ومن معك بصحبة تفرضها عليك الطبيعة، حيث يكون السحاب رفيقك أو دليلك في نزهتك وحيثما تنقلت، فيما درجة الحرارة تميل إلى البرودة صيفًا، وسط غابات خضراء، تطل على تهامة، فيتصاعد البخار من المناطق الحارة إلى أعالي الجبال، فيمكث سحابًا، وربما مطرًا أو شلالاً ينهمر من مزن تقبض عليها بيديك فتفر من بين أصابعك.

من أبرز المواقع في السودة، (المطل) حيث تستطيع عبر النواظير التي تم توفيرها للزائرين، أن تلقي النظر على جبال وعرة تميل نحو تهامة، أو أن تستقل العربات المعلقة (التلفريك)، التي تأخذك نحو صدر العوس في رجال ألمع، حيث دفء المكان، وتنوع المقدم للزائرين من وجبات محلية غاية في التفرد، أو الانتقال إلى متنزه المحتطبة حيث الشلالات الطبيعية التي تكونت نتيجة الأمطار الغزيرة، وجريان المياه بين الجبال.

تتعدد خصائص المتنزهات المنتشرة في منطقة عسير، ما يتيح للزائر مشاهدات متنوعة. ولعل من أبرزها متنزه الحبلة الذي تعود تسميته إلى استخدام سكانها الأصليين، إلى وقت قريب، الحبال وسيلة للوصول إلى قريتهم، إذ لا يستطيع أحد الوصول إليها غيرهم. وقد تمت تهيئة المكان والوصول إليه عبر العربات المعلقة، ليتمكن الزائر من قضاء بعض الوقت في أجواء أكثر دفئًا نتيجة انخفاض سطحها.

البيئة والبنية

ما يميز السياحة في أبها، أن الوعي بصناعة السياحة مفهوم فردي ومجتمعي، إذ إن الجميع يساهمون في هذه الصناعة، سواء كانوا أسرًا منتجة، أو مزارعين، أو مبدعين وأدباء، أو المهتمين بالتراث، والذين يقيمون متاحف خاصة بهم وفي منازلهم القديمة والحديثة، وهي متاحف مشرعة للزائرين، سواء لأغراض تجارية، أو احتفائية وضيافة.

نعم، الجميع في أبها منسجم بوعي مع السياحة، مفيد أو مستفيد منها كصناعة عالمية. فعلى جنبات الطرق المؤدية إلى المتنزهات، تقدم بعض الأسر منتجاتها من الزراعة كالرمان، والعنب، والخوخ، والعسل، أو من الأكلات الشعبية التي تنتجها في بيوتها مثل خبز التنور، والمشغوثة، والعريكة، والمصبعة، والحنيذ، وغيرها من الأكلات الشعبية التي تجد قبولاً ورواجًا بين الزوار والمصطافين، أو من مصنوعاتها، أو متاحف تعرض مقتنياتها الخاصة بالمنطقة، كالأدوات القديمة المستخدمة في الزراعة، والبناء أو الأزياء الشعبية والحلي القديمة.

x
You are looking for