فتحي سمير

وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن الجبال تعد موطنًا لنحو 15% من سكان العالم وربع الحيوانات والنباتات البرية في العالم، فضلاً عن توفيرها للمياه العذبة لنحو نصف البشرية، لذلك يعد الحفاظ عليها من عوامل التنمية المستدامة الرئيسة. 

حددت الأمم المتحدة منذ عام 1992 يوم الحادي عشر من ديسمبر من كل عام يومًا دوليًا للجبال، وذلك في ظل التهديدات التي تعانيها الجبال من تغير في المناخ والاستغلال المفرط لها، ووفقًا للأمم المتحدة فإنه: "مع استمرار اتجاه المناخ العالمي نحو الدفء، فإن سكان الجبال وخصوصًا الأفقر في العالم يواجهون صراعات أكبر من أجل البقاء. كما أن الأنهار الجليدية في الجبال تذوب بمعدلات غير مسبوقة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤثر على إمدادات المياه العذبة في اتجاه مجرى النهر التي تساعد ملايين الناس". 

طبيعة متنوعة 

تحظى المملكة العربية السعودية على امتداد مساحتها الشاسعة بسلاسل جبلية شهيرة تمتد من الجنوب إلى الشمال، تتناثر أغلب قممها في الجانب الغربي. وتتميز طبيعة هذه القمم بالتنوع البيئي الكبير والتكوينات الجيولوجية الفريدة، فتبدو جنوب المملكة وارفة الخضار بقممها البديعة وأشهرها قمم السودة، بينما تبدو الجبال شامخة بتكوينها الصخري في طويق عند حافة العالم قرب العاصمة الرياض، فيما تكتنز الجبال تاريخًا على واجهاتها المحفورة في الحِجر بالعلا، لتكون لوحات متقنة يحكي بعضها شطرًا من تاريخ غابر في عكمة على مقربة من الحجر، وبعضها الآخر يتجسد في هيئة فريدة وكأنها منحوتة صاغتها أنامل أعظم النحاتين فاكتسب اسمها من هيئتها، ومنها جبل الفيل بالعلا. بينما تفرد بعض القمم الجبلية الأخرى عند أقدامها متسعًا لأودية تجمع بين المياه الجارية والمساحات الخضراء لتكتمل عناصر الجمال بين الجبال والمياه والمساحات الخضراء، فتسر الناظرين وتضع نفسها وجهة لكل راغبي التنزه، ومن أشهرها وادي الديسة في منطقة تبوك. 

قمم مذهلة 

في المملكة العربية السعودية قمم شهيرة تجسد وجهات تنزه تجذب سكان المناطق لزيارتها والاستمتاع بإطلالاتها المهيبة من ارتفاعات شاهقة، ومن ذلك جبال السودة التي يتجاوز ارتفاعها عن سطح البحر ثلاثة آلاف متر لتكون بذلك أعلى القمم الجبلية في المملكة. من هناك يقف الزائر على بحر من أمواج السحب والضباب التي تتلاطم تحته، ويدنو منها عبر التلفريك الذي يخترقها نحو الأسفل في تجربة لا يمكن تفويتها عند زيارة منطقة عسير. 

في منطقة جازان تقع أعجوبة جبلية هي جبال فيفاء، جارة السحاب، التي تعد سلسلة جبلية تلتف حول بعضها لتبدو من بعيد كأنها جبل واحد، رغم أنها تضم مجموعة من القمم الشهيرة. فيفاء تسكنها القبائل حتى يومنا هذا، وتصنف من أجمل الجبال في المملكة العربية السعودية. 

وفي الباحة يعتمر جبلا شدا الأعلى والأسفل قبعة من السحاب يناظرها المتنزهون في أثناء ارتقائهم من سفح الجبلين نحو القمة ليرونها غطاءً ناصع البياض، بينما تبدو مشاهد الطبيعة بديعة تداعب مخيلات الحالمين بهذا الجمال، فيما يعد شدا موطنًا للنمر العربي ومحمية طبيعية، ويشتهر بتكويناته الصخرية الغريبة. 

وإلى الشمال يقع جبل الهدا، حيث طريق جبل كرا، أو طريق الهدا كما يشتهر بين السكان، وهو أحد أعجب الطرق الجبلية في المملكة، إذ ينسدل من ارتفاع شاهق ليقود المسافرين نحو مكة المكرمة، في الوقت الذي تشتهر فيه المنطقة بزراعة الورد والفاكهة التي تتميز بها الطائف.  

وفي العاصمة الرياض تجسد حافة نهاية العالم أعجوبة تضاريسية تجسد جزءًا من جبال طويق الشامخة. يقف الزائر على قمة الحافة التي تنكسر فجأة أمام ذلك الأفق اللانهائي على هيئة بحر من الرمال، بينما تلقي الشمس بشعاعها الذهبي على الحافة لتحيلها إلى قطعة ذهبية جميلة تتلألأ بمتنزهيها. 

يسافر الزائر إلى الشمال الغربي نحو العلا، ليحظى بمزيج مذهل يجمع بين التاريخ والطبيعة البديعة التي تحتضنها العلا في مزارع النخيل التي تتمدد في ذلك الوادي الذي يضم الصخور العملاقة التي تترامى على هيئة كتل، يناظرها الزائر من الطائرة ليبدأ الذهول قبل أن يحط الزائر أقدامه على ثراها. 

تمتد الرحلة شمالاً نحو صحراء حسمى ذات الجبال الأسطورية والرمال الحمراء، التي يتيه المرء بين ثناياها فيتساءل للحظة إن كان على الأرض أم على الكوكب الأحمر، إذ تستدعي هذه الصورة ما نعرفه من لقطات التقطت لكوكب المريخ برماله الحمراء وتضاريسه التي تشبه هذه المنطقة الجميلة التي لا تخلو أيضًا من العجائب التضاريسية. 

وعلى مقربة من خليج العقبة تستمر رحلة التساؤلات حول التضاريس الجبلية العجيبة مع وادي طيب اسم الذي ينسلخ من بين قمتين أمام البحر الأحمر ليسافر شرقًا لعشرات الكيلو مترات، بينما يلقي بما يفيض من مياه جارية نحو الغرب، حيث تنتشر أشجار النخيل التي تستقبل العابرين عند مدخله. 

في الشرق يجسد جبل قارة الواقع في الأحساء أعجوبة إضافية بصخوره وكهوفه والأجواء المعتدلة والباردة التي تسري بين ممراته حتى في أكثر أيام الصيف قيظًا. والرحلة إلى جبل قارة تزداد ثراءً عند إدراك تلك الإطلالة المهيبة على وادي الأحساء أكبر واحة نخيل في العالم. 

تضم المملكة العربية السعودية عشرات القمم الجبلية الشهيرة، التي تجسد دررًا على خارطة الطبيعة والسياحة في المملكة، ووجهات بديعة تستحق الاستكشاف والمحافظة عليها وتنميتها لتصبح وجهات سياحية دائمة لعشاق الطبيعية والتسلق "الهايكنج".