لم تقتصر الأسواق في الماضي على النشاط التجاري فحسب، بل تخطت ذلك لتضم أنشطة اجتماعية أخرى تبلورت مع مرور الزمن لتشكّل النسيج الفعلي لهذه الأسواق التي اصطبغت ملامحها التقليدية بطيف من الألوان المتنوعة انعكست تجلياتها الإبداعية لتهيمن على الأسواق ومرتاديها، فتحولت إلى ما يشبه المنتديات الأدبية، التي كانت تقام في الجزيرة العربية حتى قبل الإسلام.

على مر السنين استوعبت الأسواق حاجات مَن عاشوا في تلك الأزمنة ملبية تطلعاتهم، وناهضة بإبداعاتهم حرفة، وصناعة، وهوية ثقافية، وفنونًا عمرانية. فخلّفت الأسواق، على امتداد تاريخها، إرثًا يشهد على عظمة أجيال متعاقبة صاغوا بأناملهم تفاصيل الحياة في هذه الميادين التي مورس فيها، إلى جانب الفعل التجاري، كل ألوان الإبداع، لتبقى هذه الموروثات حية حتى اليوم، في ظل اتجاه راسخ لطالما جرى العمل على تبنيه، يُقدِّر هذه الأسواق التاريخية والتراثية ومكنوناتها التي لا تقدر بثمن.

 

 

سوق الجنابي

ماضٍ يزهو

تقع سوق الجنابي في حي «أبا السعود» وسط مدينة نجران القديمة، بالقرب من قصر الإمارة الأثري. وتتكون من ممرات ضيقة مسقوفة تراصت فيها دكاكين صغيرة، كأن الزمن توقف بها عند تاريخها العتيق.

تعد سوق الجنابي من أهم أسواق المملكة العامرة بالصناعات اليدوية التراثية المختلفة، التي يتقنها الحرفيون الذين توارثوا تلك الصناعات اليدوية أبًا عن جد، وعلى رأسها صناعة الجنابي والسيوف والخناجر. عند زيارة السوق يطالع الزائر الحرفيين وقد انهمكوا داخل دكاكينهم المتجاورة لطرق الأنصال، وتزيينها والاهتمام بها لتظهر في أبهى حلة.

تشهد السوق إقبالاً من هواة اقتناء الجنابي، التي تختلف أنواعها وأسعارها. تُعرض في السوق قطع ثمينة تتضمن مواد نادرة، اشتُهرت على مدى السنين باستخدامها في مثل هذه الصناعة العريقة.

 

سوق القيصرية

تاريخ وحراك تجاري

سوق شعبية تاريخية ذائعة الصيت تقع بحي الرفعة في الأحساء، أنشئت عام 1821. تحتوي على أكثر من 400 محل تصطف داخل أزقة مسقوفة. جرى افتتاح سوق القيصرية عام 2013 بعد إعادة تأهيلها. إذ تعد من أهم معالم الهفوف السياحية، التي يتهافت عليها السياح، خصوصًا من منطقة الخليج.

لطالما اكتسبت السوق أهمية اقتصادية في تاريخ الأحساء، وأثّرت في الحراك التجاري في المنطقة، فضلاً عن بُعْدِها الثقافي والتراثي المتمثل في حرفها، وصناعاتها، وطرازها العمراني ذي القباب والأقواس والشرف والأبواب ذات التصميم المميز الذي يزين المحلات.

تميزت السوق بمنتجاتها التقليدية الشعبية التي اشتهرت بها الأحساء مثل صناعة المشالح، والعباءات، والأحذية، والدلال، وغيرها.

 

سوق الحرف

إرث الأجداد

تعد سوق الحرف التي تعرف بمركز الحرف والصناعات اليدوية، من المواقع التراثية الآسرة التي تتوسط مدينة بريدة القديمة، على مقربة من جامع الملك فهد. تصنف السوق معلمًا جميلاً من معالم المدينة بنمطها المعماري التراثي، وبما تضمه من مجتمع الحرفيين الذين ورثوا مهارات تصنيع الأدوات التراثية عن آبائهم وأجدادهم، حيث يمارسون أنشطتهم وسط عشرات الدكاكين التي تطل على ساحة كبيرة يقصدها عاشقو التراث من أبناء المنطقة، في محيط تجاري تحتشد فيه كثير من المحلات التجارية فضلاً عن سوق التمور القريبة.

 

سوق الجردة

انعتاق من الحداثة

سوق تاريخية ذائعة الصيت كانت في القرن التاسع عشر الميلادي محطة انطلاق قوافل العقيلات الأولى. وذكرها أحد الرحالة الأوروبيين قائلاً: «إن الجردة في بريدة أعظم سوق للإبل في العالم». تقع السوق التي تحوي عشرات الدكاكين الصغيرة، والساحات غير المظللة في قلب مدينة بريدة، تجاورها سوق الخضراوات. تمتاز سوق الجردة بمعروضاتها التراثية والشعبية المتنوعة، وتعد محط إعجاب هواة جمع القطع التراثية، إذ تباع فيها الأحجار الكريمة، والنقود القديمة، وأسلحة الصيد، وتضم أقدم حرفيي الأحذية النجدية. وفي الربيع يباع فيها الفقع، والسمن البري.

سوق المسوكف

تراث أصيل

تمثل سوق المسوكف الشعبية في عمارتها وطرازها، السوق النجدية القديمة التي تؤجج مشاعر الحنين إلى الماضي. هذه السوق التي أعيد ترميمها وصيانتها عام 1428هـ، تقع في غرب محافظة عنيزة في منطقة القصيم، وتجاورها سوق التمور والخضراوات.

بُنيت السوق بعروق الطين الممزوجة بالتبن والبحص، كما كان معمولاً به في نجد في ذلك الزمن، على مساحة تجاوزت خمسة آلاف متر مربع، وسقفت بجذوع شجر الأثل وسعف النخيل، وزينت بالجبس. وجرى تقسيمها إلى عدة أروقة وقباب حوت 51 محلاً تجاريًا للحرف والصناعات اليدوية بأبوابها الخشبية متقنة الصنع، والمجالس الشعبية، والمقاهي والمطاعم، وساحاتها التي تقام فيها المزادات الشعبية. تشهد السوق إقامة مهرجان سنوي يمتد لنحو عشرة أيام، يهتم بالحرفيين والحرفيات، والأسر المنتجة، والمنتجات الشعبية.

سوق الزل

همسات الماضي

سوق تجسد مشهدًا من الماضي الجميل، يعود تاريخها إلى عام 1319هـ. تقع وسط مدينة الرياض قرب قصر الحكم، وتحيط بها أيقونات تاريخية، مثل قصر المصمك، وشارع الثميري، وجامع الإمام تركي بن عبدالله.

تجمع السوق أكبر محلات بيع التراثيات، والعطور، وصناعة الأحذية الشعبية، فضلاً عن الحراجات، والمزادات الأسبوعية التي تقام فيها بين العصر والمغرب، والتي لا تخلو من تحف نادرة. كما تضم السوق محلات لصناعة العقال العربي يدويًا، وتزخر أيضًا بمحلات بيع أخشاب العود العطرية بمختلف أنواعها وأسعارها.

سوق العينية

الزمن الجميل

أعادت المدينة المنورة إحياء هذه السوق في الحي التراثي المدني، مستلهمة ملامحها من سوق العينية القديمة وأصالة تاريخها. يجسد هذا الحي التراثي الهوية الحضارية والاجتماعية المنبثقة من أصالة المدينة المنورة، مدينة المصطفى، صلى الله عليه وسلم. ويمثل نموذجًا حيًا لما كانت عليه أسواق المدينة القديمة، بتفاصيلها الفريدة.

تقع السوق في حديقة الملك فهد المركزية، وتضم نقاط بيع للحرفيين والأسر المنتجة، في الدكاكين التي تصطف على جانبي الشارع الرئيس للسوق التي تبيع التُحف، ومنتجات الحرف اليدوية، والأطعمة الشعبية. كما جرى تزيينها بأشجار النخيل والبرك والسواقي.

x
You are looking for