أحمد عمارة

استرعى انتباهي انبهار ابني بروعة الإطلالات البانورامية التي تتراءى أمام عينيه عبر نافذة الطائرة وهي تقترب من مطار سوفارنابومي الدولي، وانغماسه في تأمل سحر المياه البلورية، ونضارة المتنزهات الخلابة، وجمال ناطحات السحاب الباذخة التي يتدثر بها أفق العاصمة التايلندية. كان مشهد مدينة بانكوك المذهل وقت الغروب، وهي تسترخي على امتداد ساحل نهر تشاو فرايا، كافيًا لإثارة حماستنا لرحلة طالما انتظرناها.

 


من الصعب ألا تستثير تلك المدينة الحالمة إعجاب ضيوفها، فهي ملاذ للزائرين، وواحة عاشقة للطبيعة البكر، وسوق رائجة، ومركز عالمي مزدهر تجاريًا وثقافيًا وسياحيًا. تزدان المدينة بهندسة معمارية فريدة، وتفترشها مروج خضراء وحدائق وارفة تزهو بمناظر خلابة تغلفها أجواء ساحرة ترسم لوحة فنية طبيعية تتمازج ألوانها مع المياه الفيروزية التي تكسو صفحة نهر تشاو فرايا الذي ينساب برفق مستظلاً بظلال ناطحات السحاب الرائعة.

 


كان متنزه "لومبيني بارك" الساحر، الملاذ المفضل الذي تقصده العائلات للانعتاق من صخب المدينة، وجهة مناسبة للجلوس والاسترخاء، حيث الراحة والاستجمام في أحضان ألق الطبيعة الآسرة بجمالها وفتنتها. التقطنا صورًا رائعة في تلك الواحة الأكثر صفاءً. لم يسعفنا الوقت لزيارة متنزهات أخرى رائعة، منها متنزه سفاري وورلد أشهر المقاصد السياحية التي تستهوي الأطفال، ومتنزه سيام بارك سيتي، وحديقة زانوك المائية، وحديقة الملك راما التاسع، وحديقة الملكة سيريكيت.

على الرغم من أن وسيلتي المفضلة لاستكشاف مظاهر الحياة المبهرة في أي وجهة سياحية تكمن في الاستمتاع بنزهة المشي في شوارعها وضواحيها، إلا أنّي قررت اصطحاب أسرتي في جولة بحرية بالقارب في نهر تشاو فرايا الذي يصب في خليج تايلند القريب من بانكوك. يفضل بعض الناس النزهات النهرية، بينما يفضل بعضهم الآخر الاستمتاع برياضة المشي أو ركوب الدراجات الهوائية في جولة ماتعة على ضفاف النهر في الهواء الطلق. جسدت تلك الرحلة واحدة من أجمل الرحلات البحرية التي يمكن أن يقوم بها سائح مع أسرته، فقد شاهدنا معظم المقاصد السياحية التي تتربع إما عند ضفاف النهر أو بالقرب منه.

 


يحظى هذا النهر- الذي يُطلق عليه اسم نهر الملوك- بشهرة أسطورية في تايلند. فهو المجرى المائي الحيوي الذي منح قبلة الحياة للتايلنديين، ووهب تايلند لقب "فينيسيا الشرق" بسبب شبكة القنوات المائية الكبيرة التي حفرها التايلنديون وتتفرع منه إلى أنحاء البلاد كافة.

استلب أبصارنا وأفئدتنا خلال الجولة البحرية داخل النهر معالم سياحية باذخة، منها القصر الكبير- أو غراند بالاس- أحد أشهر المقاصد السياحية في العاصمة الذي جرى تشييده في القرن السابع عشر وكان يقطنه ملوك تايلند قديمًا. ما برحت المتاحف والمعابد القديمة تلفت الأنظار، شاهدنا معبد وات آرون المرصع بالزجاج الملون والخزف، والذي احتضن أول جامعة تايلندية. استمتعنا بكل لحظة، تألقت على جانبي النهر ناطحات سحاب مذهلة، وجسور مميزة، ومنازل فريدة للتايلنديين، وقوارب أنيقة تندفع من حولنا، ومشاهد أخرى عابرة ذكرتنا بما استمتعنا به في فيلم "ذا بيتش" الذي تناول حياة التايلنديين في بانكوك وإطلالاتها الباذخة، والمناظر الطبيعية البكر التي تزدان بها المدينة.

 


لا تكتمل رحلة سياحية مع الأسرة دون جولات تسوق في المدينة. وصل بنا القارب إلى محطة قريبة من متاجر كبيرة، ومراكز تسوق شهيرة، وسوق وانج لانج الذي يُعد أحد أشهر أسواق المأكولات التايلندية على الإطلاق. قادنا الشغف إلى زيارة شارع العرب الشهير الذي يقطنه ويقصده كثيرون من العرب الذين يجدون فيه مختلف احتياجاتهم ويحتضن مطاعم، ومقاهي عربية، ومتاجر، وفنادق متنوعة.

استمتعنا كثيرًا بسحر مناظر الأسواق العائمة، إنها قوارب راسية على جانبي النهر تزخر بأطايب الطعام من فاكهة، وخضراوات، وأسماك طازجة، وغيرها. تشكل هذه الأسواق وجهة فريدة تستحق الزيارة، فلا يمكن أن تصادفك تجربة تسوق مثلها في أي مكان آخر سوى في بانكوك البديعة. تمنحك هذه الأسواق تجربة استكشاف كيفية تسوق التايلنديين، ولسوف يطيب لك تذوق بعض الأطعمة التايلندية اللذيذة التي توفرها تلك الأسواق العائمة.

 


تتمايز بانكوك بفنادق تنفرد بمظاهر فخامة وتحظى بشهرة كبيرة لما توفره من خيارات مترفة للإقامة وتزهو به من إطلالات ساحرة. يضفي أفق المدينة الخلاب مظهرًا باذخًا على مشهد مياه النهر الذي تتحدث كل قطرة فيه عن تاريخ حافل يفخر به كل التايلنديين الذين حولوا عاصمتهم، التي دمرها البيرمانيون في القرن الثامن عشر، إلى مدينة تزدان بكل تفاصيل المدن العصرية، لا سيما بعد أن انتقد بيل جيتس مشهد حِزم أسلاك التليفونات والاتصالات التي تنتشر في شوارعها وتشوه سماء المدينة.

تشتهر بانكوك، التي جرى تغيير اسمها مؤخرًا وباتت تحمل اسم "كرونج ثيب مها ناخون "، بأنها الميناء الرئيس والمركز الصناعي في البلاد. وقد أصبحت واحدة من أكثر المناطق السياحية شعبية في العالم، حيث يقصدها ملايين السائحين على مدى العام لأغراض مختلفة، منها السياحة، وممارسة الأعمال، والاستمتاع والاسترخاء، وشراء العقارات، وإقامة مشاريع تجارية، وغيرها.

قد لا يكون لأحد شغف بالحياة مثل التايلنديين، فهم شغوفون بأشياء كثيرة، منها الحفاظ على تقاليدهم الشعبية، وجذب العدد الأكبر من السائحين سنويًا، والاستمتاع بتناول أشهى أطباق الكاري التايلاندية، وتطوير بلادهم والارتقاء بها إلى مرتبة الوجهة السياحية الأكثر تميزًا في العالم. إن عوامل الثقافة والتاريخ والطبيعة الجميلة يجتمعون لعزف أجمل سيمفونية تُطرب الزائرين على ضفاف السواحل التايلندية الخلابة. وهم تواقون لرؤية الشغوفين ممَن تهفو قلوبهم للاستمتاع بجمال بلادهم.


x
You are looking for