فتحي سمير
في موقع لا يترك فيه السحاب فاصلاً بين الأرض والسماء، فيدنو ليعانق كل عابر يدعوه للاستمتاع بطبيعة ساحرة تربو على مستوى البحر بنحو ألفي متر. هناك حيث تقع غابة رغدان الجميلة، شمال غربي مدينة الباحة، مُطلة من علٍ على سهول تهامة في جهة الغرب عند ذلك الأفق البعيد قرب البحر الأحمر.
ترتبط رغدان بالأودية والسهول الدنيا عبر طريق الملك فهد البديع الذي يقطعه المسافرون في غدوهم ورواحهم من مدينة الباحة وإليها، فيقودهم تارة إلى حيث الطبيعة الأسطورية على قمم السراة، أو يمنحهم فرصة زيارة قرية أثرية هي قرية ذي عين الواقعة في الجهة الجنوبية من الباحة في مشهد لا تغيب عنه صور الطبيعة البديعة متجسدة في أشجار الموز والكادي التي تغلف محيط هذه القرية.
مشاهد جميلة لمنطقة تحتفظ بمكانتها بوصفها وجهة سياحية طبيعية ذات مناخ معتدل في موضع جغرافي يمنحها مع شقيقاتها من المدن التي تسكن قمم السراة كثيرًا من مواطن الجمال وتتجسد في الباحة جلية داخل غابة رغدان، إحدى أشهر الغابات جنوب المملكة العربية السعودية وأكبرها.
على جبل يقال له بهول تحتضن غابة رغدان بلدة تتبدى منازلها منضودة وكأنها باقة من الأزهار المنبثقة من باطن الجمال تتلألأ في صباحات ندية فتبلل ذاكرة زوارها برشقات من قطرات الندى العطرة وتمنح كل زائر الفرصة لإطلاق مخيلته نحو الأفق الذي يتكشف تارة، ويستتر تارة أخرى وراء الضباب المنسدل بين الأشجار، وعلى أطراف الجبل، في مشاهد تبعث في النفس كثيرًا من السكينة والطمأنينة وتستدعي الرغبة الكامنة في البقاء طويلاً بين جنبات هذا الجمال الطبيعي.
ولعل طبيعة رغدان الجميلة كانت محفزًا دفع المسؤولين إلى اختيارها في كل الأنشطة السياحية الحديثة التي جرى تنظيمها خلال السنوات الأخيرة، ومن ذلك تنظيم الفعاليات الخاصة بالمواسم المتنوعة، موظفين الارتفاع الشاهق للمنطقة في تنظيم أنشطة الانزلاق الحر عبر الحبال "زيبلاين" حيث تنكشف طبيعة الغابة الساحرة وحوافها الجبلية والمطلات التي تُشرف على السهول الغربية للغابة أمام المغامرين من ارتفاعات كبيرة. هذا بالإضافة إلى عديد من الأنشطة الترفيهية التي شهدتها رغدان خلال الأشهر الأخيرة.
جرى تأهيل رغدان عبر بناء الاستراحات المناسبة وإعداد مطلات المشاهدة للزوار وأماكن الاستراحة والمتنزهات العامة ووضع السياجات الأمنية لحماية المتنزهين قرب الحواف المنحدرة على أطراف المناطق الجبلية.
تضم غابة رغدان أشجار الطلح والعرعر وغيرهما، كما أنها تُنتج بعض أنواع الفاكهة والخضراوات التي دأب سكان المنطقة منذ القدم على زراعتها، وساعدهم في ذلك وجود عدد من الأودية الجارية التي استغلها السكان في الزراعة ومنها وادي قوب على الأطراف الغربية لرغدان، والذي ساهم في امتهان سكان المنطقة قديمًا لمهنة الزراعة في المدرجات الزراعية التي تشتهر بها كثير من المناطق الجنوبية في المملكة العربية السعودية.
يمنح الوقوف على المطلات في رغدان إطلالة فريدة على القمم الجبلية التي تتبدى من بعيد معتمرة قبعات بيضاء من السحب، ومنها جبل شدا، هذا الجبل الجميل بشقيه الأعلى والأسفل الذي يعد مقصدًا لزوار منطقة الباحة لطبيعة تكويناته الصخرية الفريدة، فضلاً عن كونه موطنًا للحياة الفطرية التي أحالته إلى محمية طبيعية بسبب الأهمية الكبيرة التي يحظى بها.
