فتحي سمير

يقف المرء مشدوهًا أمام روعة المناظر الساحرة لقمم الجبال في مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة. هذه الإبداعات الطبيعية التي أرساها الخالق، عز وجل، في جغرافيا المملكة، كما رسمت جزءًا كبيرًا من جمال الصورة، شكّلت في الوقت نفسه تحديًا لإنسان المنطقة الذي سكن قمم الجبال وسفوحها لتطويعها لحياته ومعاشه، وضاعفت من جهود العابرين من قاصدي التنقل والترحال من مكان إلى مكان الذين لطالما كابدوا المشقة لعبور هذه الطبيعة الوعرة عبر المسالك والدروب المتعارف عليها قديمًا، ثم من خلال الطرق البدائية الممهدة، وصولاً إلى الطرق الحديثة التي تشق العقبات في المناطق الجبلية تيسيرًا لحياة السكان.

من أشهر السلاسل الجبلية في المملكة العربية السعودية جبال السروات التي تتمدد على الشطر الغربي للمملكة بمحاذاة البحر الأحمر مشكلة أهم ظاهرة تضاريسية في شبه الجزيرة العربية. إذ تتمدد من اليمن جنوبًا حتى شمال المملكة العربية السعودية حيث تُكوّن امتدادًا يتجاوز 1500 كيلو متر داخل المملكة، ويبلغ عرضها بين بضعة كيلو مترات ونحو 150 كيلو مترًا، مخلّفة مشاهد مذهلة في جنوب ووسط وشمال المملكة، فتتناثر القمم الشاهقة كحبات اللؤلؤ التي تزين جِيد السلاسل الجبلية الممتدة. ومن هذه اللآلئ الفريدة قمة جبل كرا بالهدا، إحدى قمم جبال الحجاز الواقعة على أطراف مدينة الطائف والتي ارتقت بمحيطها الجغرافي إلى ارتفاعات كبيرة جعلت من مدينة الطائف مصيفًا للمملكة العربية السعودية بأجوائها المعتدلة صيفًا والباردة شتاءً.

كل هذه العوامل ساهمت في تفرد المنطقة بكثير من المآثر التي يندر أن يجدها الزائر في غيرها، ومن ذلك الورد الطائفي الشهير الذي يجري تصديره إلى مختلف الدول لتُصنع منه أجمل العطور العالمية وأشهرها، ومنها أيضًا فاكهة الطائف التي تشتهر بجودتها ومذاقها الطيب.

كل ذلك يستكشفه الزائر بنفسه إذا ما سنحت له الفرصة للوقوف على رأس جبل كرا الذي يستقبل الزائر عند مدخل طريق الكر-الهدا. تبدأ رحلة عبر هذا الطريق صعودًا من داخل مدينة الطائف لنحو 20 كيلومترًا وصولاً إلى قمة الجبل الذي سيقوده مرة أخرى هبوطًا نحو مكة المكرمة. في رحلة الزائر نحو القمة سيصادف عددًا من المتنزهات والاستراحات التي تتكئ على جانبي الطريق، وهي متنزهات تُبرز أهمية المدينة من حيث كونها ملجأ لأهل المملكة كافة يستأنسون بأجوائها البديعة وطبيعتها الساحرة صيفًا.

من المشاهد التي ترصدها الأعين خلال الرحلة الباعة الذين يعرضون بضاعتهم من الفاكهة الموسمية للمسافرين عبر المدينة، وهناك دائمًا فرصة للتفاوض من أجل أفضل سعر. بعد الوصول إلى قمة الجبل تبدأ رحلة المشاهد الساحرة التي تُفاجئ المسافرين عبر الطريق للمرة الأولى. في هذه اللحظة فقط يدرك المسافر مقدار الارتفاع الهائل الذي قطعه وصولاً إلى هذه النقطة، إذ تكاد تدرك عيناه سفوح الجبل الذي يقف على رأسه بينما تتمدد أقدام جبل كرا غربًا نحو مكة المكرمة.

مشاهد وأجواء لم يألفها كثير من المسافرين تدفعهم إلى الوقوف عند المطلات التي جرى تخصيصها في بداية الطريق لاستيعاب كثير من التفاصيل التي تزين هذه الصورة الإبداعية. وأولى المفاجآت القردة التي تسكن الجبل وتستقبل المسافرين منتظرين هداياهم من الطعام. وخلال الوقوف على قمة الجبل يتراءى الطريق من القمة خطًا مرسومًا بحرفية بين الصخور على أطراف الجبل ينسدل من الأعلى حتى السفوح متلاشيًا من أثر البعد الشديد الذي لا تدركه العين. وإن كانت الزيارة في وقت تكون السحب على أطراف الجبل فالزائر موعود بالوقوف على بحر من أمواج السحب البيضاء التي تتلاطم من تحته متكئة على أطراف الهدا تداعب أضواء السيارات التي تخترقها لتكشف عمّا تخفيه تحتها من أسرار وكأنها فتحت ستارًا بين الأرض والسماء.

خلال رحلة المسافر هبوطًا من قمة الجبل ستعبر من فوقه عربات التلفريك التي تحمل المتنزهين من تلفريك الهدا على القمة، إلى قرية الكر السياحية الواقعة في الطريق المؤدية غربًا إلى مكة المكرمة. رحلة تحتاج إلى قيادة حذرة وحكمة من قائد السيارة يساعده على إتمامها الطريق البديع الذي جرى تأهيله من قبل الدولة ليصبح ذا اتجاهين بدلاً من اتجاه واحد قديمًا، ورغم ذلك فإنه لا يخلو من المنعطفات الخطرة التي تحتاج إلى التأني.

رحلة ربما لا تنتهي قبل أن يسأل الزائر نفسه سؤالاً مهمًا عن حجم المجهود الذي استغرقه شق الطريق في مثل هذه البيئة الوعرة، ومقدار ما استغرقه ذلك من جهد وسنوات من العمل حتى يصبح الطريق على هيئته الحالية مانحًا المسافرين سبيلاً للرحلة، والمتنزهين فرصة للاستكشاف والتأمل.