التضاريس حكاية الجمال على الأرض تبدأ من اليابسة فالبحر، مارة بالأنهار والرمال والجبال والسهول حتى الأودية. كل البلدان لها حكاية خاصة مع ما يميزها من جمال التضاريس، سواء كانت جبالاً، أو بحارًا، أو رملاً.
الأودية وروافدها إحدى السمات الطبيعية الجميلة التي تحفرها عوامل التعرية، أو تتكوّن أخاديد غائرة نتيجة هبوط الأرض، أو طرقًا التوائية بين الجبال. وكثيرًا ما اكتنفها التاريخ والغموض، ناهيك من الخصوبة الزراعية حتى أصبح لكل وادٍ حكاية.
بين التاريخ والمرعى الخصب وأعجوبة التضاريس تتجلى أجمل الأودية في المملكة العربية السعودية حتى غدت من أماكن الجذب السياحي. منظر من علو لموقع الشق الفريد بتضاريسه والذي يقع غرب مدينة تبوك
وادي الشق
الوادي السحيق هو الوصف الملائم لوادي الشق الذي يقع في غرب مدينة تبوك، ويبعد عنها مسافة 60 كلم. إنه وادٍ مثير بكل ما تحمله الكلمة من معنى إذ يختلف عن الأودية الأخرى. ولقد تكوَّن نتيجة جريان السيول في العصور المطيرة. يمكنك رؤية تفاصيل الشق عندما تصعد إلى أعالى الجبال المحيطة به، لتشاهد واديًا سحيقًا وضيقًا، مشكلاً شقًا عميقًا يعد نموذجًا فريدًا ورائعًا للتضاريس في منطقة تبوك. ولقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى شكل تضاريسه التي تشبه شقًا في الأرض.
يعد الوادي موقعًا مهمًا على خارطة المواقع السياحية. إذ يتميز بتضاريس خلابة تتجلى في الحافات الجبلية الحادة، وتشكل مكانًا بمنزلة إطلالة خاصة على الوادي السحيق للمغامرين من محبي التسلق.
وادي الرمة
وادٍ لا يستهان به، وأثر جيولوجي عظيم. فالرمة يعود إلى العصور المطيرة، حيث كان نهرًا جاريًا فتحجر. جاء ذكره في الأسفار والأشعار ومعاجم البلدان وكتب الرحالة. يمتد وادي الرمة من سفوح الحرات في المدينة المنورة، ويمر بمنطقة القصيم من شمالها الغربي إلى أن يصل إلى دولة الكويت. يبلغ طوله 1000 كم، ويعد من أطول الأودية وأكثرها اتساعًا، ويرجع إلى أنه كان نهرًا في العصور القديمة، ولقد سمي في تلك الأزمنة بالنهر الكبير. يتشعب من وادي الرمة ما يزيد على 300 رافد من الشمال والجنوب، وأكثر ما يجري في منطقة القصيم التي تتباهى بهذا الوادي الساحر، حيث له مع الجريان تاريخ مثير، وقصص يتناقلها الآباء والأجداد. فهو لا يجري إلا مع سقوط الأمطار الغزيزة جدًا حد أن لجريانه بشارات وترقبًا وقصصًا لا تنسى، فربما بقيت المياه في بطنه لأعوام مشكلة بحيرات.
في عام 1376هـ جرى وادى الرمة، وسمى الأجداد هذا العام بعام الغرقة، أو سنة الهدام، حيث تهدمت البيوت من شدة الأمطار الغزيرة التي عمت منطقة نجد، فجرى وادي الرمة جريانًا لافتًا لا ينسى، سجله التاريخ وسجلته قصائد الشعراء.
وادي موهد
بين الجبال ذات الأرض الصخرية يظهر هذا الوادي المثير الذي تصب مياهه النقية بين صخور جبال محافظة الداير، في جازان. يعد وادي موهد من الأودية الصغيرة، إذ لا يتجاوز طوله 1كم، كما أنه ضيق وينبع بين قمتين، وهو ذو مياه عذبة رقراقة تنزلق بانسيابية كشلالات من بين الصخور. أما أرضيته فهي من صخور ذات ألوان متعددة بين الأبيض والأحمر والأسود. وهو مثال للأودية ذات الجمال المتناهي، حيث يجتمع الصخر والشجر والماء في لوحة بديعة، بالإضافة إلى كونه واديًا بركانيًا يقع شرق العين الحارة التي تُقصد للعلاج.
وادي قنونا
ينحدر وادي قنونا من أعالي جبال بلجرشي حاملاً معه مياه الأمطار، ليصب في شرق غرب القنفذة، وتحديدًا في محافظة العرضيات، جنوب غرب المملكة العربية السعودية. يتميز هذا الوادي الذي يبلغ طوله 140كم بطبيعة خلابة، حيث كانت تنمو فيه أشجار النخيل، والسمسم والقمح والدخن. ومنه كان يحصل الأهالي على مؤنهم وزادهم اليومي. أما اليوم فبطن الوادي مغطى ببساط أخضر، وبأنواع عديدة من الزهور، وأشجار نخيل قديمة وباسقة. كما يطير في سمائه عدد من الطيور الملونة، وأخرى مهددة بالانقراض. الوادي أشبه بالحديقة الطبيعية التي صارت مقصدًا للمتنزهين، حيث يجري الوادي طيلة أيام السنة.
وادي حنيفة
استمد وادي حنيفة جماله من تاريخه البعيد. على ضفافه استوطنت القبائل وتحضرت، فكان بنو حنيفة هم ساكني هذا الوادي الخصب الذي ينحدر متخللاً هضبة نجد باتجاه الجنوب، ويمتد 120 كم لتغور مياهه في رمال السهباء القريبة من محافظة الخرج. ثم سمي نسبة إلى سكانه الأوائل من القبائل المتحضرة.
جرى تأهيل الوادي ليكون وجهة سياحية وترفيهية تبدأ من التاريخ ولا تنتهي عند هطول الأمطار، بل تتحول إلى وجهة لافتة ومثيرة مع تجمع الأمطار. على ضفافه تقع الدرعية التاريخية، وحي البجيري. وفي وسط الوادي يوجد قصر البديعة، وهو أحد قصور الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، بالإضافة إلى مزارع تاريخية وبيوت تحكي قصص الأولين.
في عام 1431هـ افتتحت "الهيئة العليا لتطوير الرياض"، حينها، مشروع تأهيل وادي حنيفة الذي يعد متنفسًا بيئيًا مثاليًا، ووجهة سياحية في الرياض، فجعلت في بطنه قناة مياه مفتوحة بعمق 1.5م، وعرض يقارب المترين، تتعرج مع تعرجات الوادي الطبيعية، وذلك من منطقة عرقة شمالاً إلى بحيرات الحائر جنوبًا، وتتغذى تلك القناة من بعض الشعاب والسدود والآبار طوال العام.
بنيت ممرات حجرية للمشاة على طول الوادي مضاءة ليلاً، بالإضافة إلى مسارات للجري ولعربات ذوي الاحتياجات الخاصة. ولقد أنشئت في وسطه وعلى ضفتيه الحدائق، والمتنزهات، والبحيرات الكبيرة، والمطلات، والجلسات العائلية. وجرى تشجير الوادي بالأشجار الصحراوية والنخيل، كما أنشئت السدود على طول الوادي وتفرعاته كسد العلب شمال الدرعية، وسد وادي حنيفة في عرقة، وسد نمار في منطقة نمار.
وادي عليب
يقع هذا الوادي الساحر غرب الباحة في محافظة الحجرة، وله تاريخ من الجمال إذ ذُكر في قصائد شعراء العرب من الجاهلية، حتى شعراء اليوم. ذكره الشاعر الأموي أبو دهبل الجمحي في قصيدة غزلية. للوادي تاريخ قديم، فلقد كان محطة مرور في طريق الحج القديم لقوافل الحجاج من جنوب الجزيرة العربية، فكانوا يتوقفون فيه للتزود بالماء النقي والغذاء.
يعد من أكبر الوديان في منطقة الباحة، يبلغ طوله 11 كم منحدرًا من جبال السروات صوب البحر الأحمر، ويمر بعدد من القرى الساحرة مثل النجيل، والجرين، والحريفة. وينعطف الوادي ليمر بقرية الشاقة إلى أن يصل البحر.
من مميزات هذا الوادي أن مياهه صالحة للشرب وجارية على مدار العام. توجد فيه أنواع عديدة من الكائنات البرمائية. أما في بعض القرى التي يمر بها الوادي فهناك غابات خلابة من شجر الأراك، بالإضافة إلى نبات الخزامى، وأنواع عديدة من الزهور والأعشاب العطرية. وكثيرًا ما يكون هذا الوادي مرعى خصبًا للماشية.تتجاور مكونات هذا الوادي في لوحة بديعة تجمع بين الماء والماشية والخضرة والجو العليل، ليكون مقصدًا سياحيًا بامتياز.