قرية المفتاحة في منطقة عسير ثمرة من ثمار صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، إبان توليه مهام إمارة منطقة عسير، حيث نهضت المنطقة لتبحث عن كل أسباب التطور، الذي يليق بما تضمه من ثراء تراثي، وقيمة حضارية كبيرة، وتاريخ يحتاج إلى من يعيد ترتيبه ليشرق في عيون الحاضر.
أرادها الأمير خالد الفيصل آنذاك محلاً يلهم المبدعين، وبؤرة إشعاع للفن، ومرتكزًا للفنون التشكيلية بكل ألقها وبهائها. فأزيلت القرية القديمة بمظهرها المندثر والمتهالك، وقامت مقامها وعلى أطلالها «قرية المفتاحة التشكيلية»، ومن ثمّ بدأ المشروع في التنزّل إلى أرض الواقع بهمة ونشاط. وبعد اكتمال المشروع بالصورة التي خُطط لها، وبكل المشاريع التي رسمت، أصبح معلمًا بارزًا لا تخطئه عين الزائر، بما اشتمل عليه من قرية المفتاحة التشكيلية، ومسرح المفتاحة، ومركز الملك فهد الثقافي، وسوق الثلاثاء الشعبي، ولكل واحد منها دوره المهم والحيوي. ولما اكتمل المشروع جرى افتتاحه عام 1410هـ، ضمن نشاطات ملتقى أبها الثقافي السنوي.
اليوم وبعد مضي أكثر من ربع قرن على إنشاء هذا المركز الحضاري والفني والثقافي، الذي تجاوزت سمعته ونشاطاته المحيطين المحلي والإقليمي إلى العالمي، فإن قرية المفتاحة التشكيلية، أسست لنفسها حضورًا بهيًا وسمعة كبيرة. فعلى مستوى الفنون التشكيلية، تعد هذه القرية أول مشروع من نوعه في المملكة العربية السعودية، الذي يجمع كل الفنون التشكيلية في محيط جغرافي واحد، متيحًا لها كل الإمكانيات المطلوبة لتؤدي دورها الحضاري والجمالي، وتوفر للفنانين والمبدعين البيئة المناسبة لتنفيذ مشاريعهم الفنية والجمالية بكل المعينات الضرورية لذلك، يتجاور معها المبدعون في مجال الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، بوصفها من المنظور الجمالي والحضاري مكونات فنية تضاف إلى المكون التراثي للمنطقة بخاصة، والمملكة بعامة. وبهذا فقد عملت القرية على استيعاب قدرات الفنانين المحترفين، كما أتاحت الفرصة للناشئة والموهوبين للاحتكاك بهذه الخبرات في حيز مكاني واحد، بما يقام من معارض وورش عمل ودورات تدريبية درجت القرية على إقامتها بشكل مستمر ومتواصل.
أما مسرح المفتاحة فهو الآخر أصبح أيقونة جمالية في هذا الصرح الكبير، فهو مزوّد بكل التقنيات الحديثة المعينة على أداء رسالته، والمساعدة على استيعاب كل النشاطات المختلفة التي تقام على خشبته، وفي فضائه. فالمسرح يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج، ويتميز بتقنية عالية فيما يتصل بالصوت والضوء، بما يخلق حالة من التوائم الفريد بين سعة المكان وتوزّع درجات الصوت والضوء عليه، بشكل يكشف عنه مقدار الجهد الذي بذل في تحقيق ذلك. وقد شهد هذا المسرح نشاطات عديدة منذ افتتاحه، وما زال يؤدي دوره بكل اقتدار وتميز وتفرد.
أما مركز الملك فهد الثقافي الذي يأخذ وضعه المميز داخل القرية، فهو الآخر بات مثابة للعديد من الندوات العلمية الكبيرة، والمؤتمرات العديدة، مشتملاً في باحته على معرض للأرشيف الوطني، ومعارض دارة الملك عبدالعزيز، ومعارض الكتاب المختلفة.
الجالس في سوق الثلاثاء الشعبي، ستعود به الذاكرة إلى أن هذا السوق امتداد لأقدم الأسواق التي عرفتها منطقة عسير. وبعض المصادر التاريخية تعود بنا إلى عام 1250هـ تاريخًا لنشأة هذا السوق، وأخذ مسماه من اليوم الذي ينعقد فيه بحركة البيع والشراء وما يتبعهما من اجتماع القبائل والناس من كل المناطق المحيطة به. وقد جرى افتتاح هذا السوق بعد ست سنوات من إنشاء القرية بصورته الحديثة، حيث افتتح يوم الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1416هـ على مساحة تقارب خمسة عشر ألف متر مربع، ويميل في سمته المعماري العام إلى الشكل البيضاوي، مزودًا ببسطات مفتوحة وممرات للمشاة والمتسوقين الذين يقبلون على ما يطرحه السوق من المنتجات المحلية التي تتميزبها منطقة عسير في الغالب.
إن قرية المفتاحة التشكيلية، أصبحت اليوم شاهدًا من شواهد الجمال، وبؤرة إشعاع فني وحضاري، يتلفت إليها العالم في كل المواسم والمناسبات التي تقيمها، والمعارض التي يشارك فيها فنانون محليون وعرب وعالميون. وتشهد المسابقات الفنية التي تقيمها القرية إقبالاً من كل فناني العالم، بما يجعلنا نقول إن القرية تجاوزت المحلية وأصبحت قرية عالمية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.