تقع مكة المكرمة غربي المملكة العربية السعودية في وادي إبراهيم الذي تحيط به الجبال من كل جانب. ومعروف أن لمكة المكرمة مكانة دينية وتاريخية عظيمة، فقد اختارها الله، عز وجل، لبناء بيته فيها، واختار خاتم رسله من أهلها، وجعل كعبتها قبلة للناس يتوجهون نحوها خمس مرات يوميًا. 

جبال مكة المكرمة الكثيرة تحكي فصولاً من تاريخ البلد الحرام. فمثلاً يقال، إنْ صحت الرواية، إن أبا البشر آدم التقى حواء على سفح جبل الرحمة في عرفات، وعلى جبل قعيقعان قعقع سلاح جرهم في حربهم مع قاطوراء للسيطرة على مكة، وفي غار حراء وجبل النور بدأ نزول الوحي على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وكما أن غار ثور يجسِّد قصة الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة، فإن جبل خندمة يختزن قصة معركة الفتح التي دارت على أرضه بين جيش المسلمين وقريش. وسنلقي الضوء على بعض شوامخ جبال مكة المكرمة إذ يعد تاريخها جزءًا من تاريخ البلد الأمين. 

جبل النور وغار حراء 

تبيِّن الباحثة رقية نجيم أنَّ جبل النور يقع في شمال شرق المسجد الحرام في حي سُمي باسمه، ويطل على طريق العدل، وسمي بجبل النور لظهور أنوار النبوة فيه حيث كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتعبد في غاره قبل البعثة، وكان نزول الوحي عليه لأول مرة في الغار الموجود أعلاه. ويصل ارتفاعه إلى 642 مترًا، وتبلغ مساحته 5.25 كم2. 

يقدر الدكتور فوزي محمد عبده ساعاتي في كتابه «مساجد المواقيت وأشهر جبال مكة» بُعد الجبل عن المسجد الحرام بحوالي عشرة كيلومترات، ويصف غار حراء فيقول: «الغار فجوة بابها باتجاه الشمال، وارتفاع الغار حوالي قامة، والوصول للغار يتم عبر النزول عن طريق عتبات، ويسع الغار لحوالي خمسة أشخاص على هيئة الجلوس. يمكن لبضعة أشخاص الجلوس في داخله. وللوصول للغار لا بد من صعود الجبل من جهته الجنوبية. عند الدخول إلى الغار يكون الداخل متجهًا باتجاه الكعبة المشرفة. ويمكن من داخل الغار رؤية الجبال المحيطة بالمنطقة على مرمى البصر». 

وحدد إبراهيم القادري في كتابه «غار حراء وغار ثور» طول الغار بأربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع «الذراع من ذراع الحديد»، ومعروف أن ذراع الحديد يعادل حوالي 58 سم. 

جبل ثور 

يقع جبل ثور جنوب المسجد الحرام بين سهل وادي المفجر شرقًا وبطحاء قريش غربًا، ويشرف على حي الهجرة الذي يفصله عنه طريق كدي، ويبعد عن المسجد الحرام بحوالي خمسة كيلومترات إلى الجنوب، وارتفاعه حوالي 759 مترًا، ويوجد في هذا الجبل الغار الذي اختبأ فيه سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق، رضي الله عنه، في طريق هجرتهما إلى المدينة المنورة. ومساحته كما حددها محمد لبيب البتنوني في كتابه «الرحلة الحجازية» تبلغ مترين مربعين. 

وقدَّم عاتق بن غيث البلادي في كتابه «معجم معالم الحجاز» وصفًا للجبل فقال: «ثور جبل ضخم يقع جنوب مكة يُرى من عمرة التنعيم جنوبًا، ذو رؤوس مدببة، أمغر، يرتفع عن سطح البحر 500 متر». وقال إبراهيم رفعت عندما زار جبل ثور إن تسلق الجبل استغرق منهم ساعة ونصف الساعة. ووصف الغار فقال: «ولما بلغنا الغار وجدناه صخرة مجوفة في أعلى الجبل، أشبه بسفينة صغيرة ظهرها إلى أعلى، ولها فتحتان، في مقدمتها واحدة وفي مؤخرها الأخرى، وقد دخلت من الغربية زاحفًا على بطني مادًّا ذراعي إلى الأمام وخرجت من الشرقية التي تتسع عن الأولى قليلاً... والفتحة الصغيرة عرضها ثلاثة أشبار في شبرين تقريبًا، وهي الفتحة الأصلية التي دخل منها النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي في ناحية الغرب. أما الفتحة الأخرى فهي في الشرق». ويضيف: «إن ارتفاع جبل ثور يزيد على 500 متر، والواقف في أعلاه يشرف على كل ما حوله من الجبال، ويرى مكة وما حولها واضحة ظاهرة». 

الأخشبان 

من المعروف أن لمكة المكرمة أخشبين. وقد ورد ذكر هذين الأخشبين في الحديث الشريف وفي كثير من المصادر التاريخية. والأخشبان هما الجبلان اللذان يمر الطريق بينهما ليلة الإفاضة من عرفة، وهما حد مزدلفة من الشرق، يسمى الشمالي الأخشب الكبير والجنوبي الأخشب الصغير، ويسمى طريقهما طريق المأزمين وطريق الأخشبين. والأخشبان: جبلان يضافان تارة إلى مكة وتارة إلى منى وهما واحد، أحدهما أبو قبيس، والآخر قعيقعان. ويقال بل هما أبو قبيس والجبل الأحمر. 

جبل خندمة 

يحدد فوزي محمد عبده ساعاتي في كتابه السابق موقع جبل الخندمة بأنه في شرقي مكة المكرمة، على يمين الصاعد إلى منى من المسجد الحرام. وعلى سفوحه تقوم أحياء الروضة والششة والعزيزية (المفجر قديمًا). وعلى سفوحه الغربية أحياء أجياد السد الصغير والمصافي وبئر بليلة وأجياد الكبير. يقول ساعاتي: «إن الخندمة يتميز بكونه أعلى جبال مكة المكرمة». 

ويذكر ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان»: «أنه لما ورد النبي، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح، جمع صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو جمعًا بالخندمة ليقاتلوه، وانتصر المسلمون في معركة الخندمة وهرب صفوان إلى جدة ليركب منها البحر، إلا أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمَّنه فعاد إلى مكة المكرمة». 

جبل ثبير 

يقع جبل ثبير شرق المسجد الحرام، ويبعد عنه نحو أربعة كيلومترات، وهو يحد منى من الناحية الشمالية الشرقية في الجهة المقابلة لجبل حراء، ويطل على جمرة العقبة وعلى مسجد الخيف حتى يصل إلى أواخر منى قرب مزدلفة، ويصل ارتفاعه إلى 856 مترًا. وتبين الباحثة رقية نجيم أن من أسباب شهرته أنه الجبل الذي أنزل الله، عز وجل، على الخليل إبراهيم، عليه السلام، الكبش الذي جعله فداء لإسماعيل عليه السلام. وتذكر الباحثة أن في ثبير الغار الذي يسمى «غار المرسلات»، الذي نزلت فيه سورة المرسلات على الرسول، صلى الله عليه وسلم، والجزء الواقع منه في مزدلفة يعرف اليوم بجبل مزدلفة. وتضيف: إن مسجد بيعة العقبة التي بايع فيها زعماء الأوس والخزرج الرسول، صلى الله عليه وسلم، في بداية الدعوة، يقع عند قدمه الشمالي. 

جبل قعيقعان 

استخدمت قبيلة جرهم قبل الإسلام هذا الجبل مخزنًا لأسلحتها التي تسببت قعقعتها في الاسم كما تذكر كثير من المصادر. واليوم يسكن العديد من أهل مكة على سفوح هذا الجبل بأسمائه الجديدة التي منها: جبل السليمانية، وجبل العبادي، وجبل المدافع، وجبل قرن، وجبل هندي، وجبل لعلع، وجبل الترك، وجبل السودان وغيرها. 

جبل المطابخ 

يقول عاتق بن غيث البلادي عن هذا الجبل في كتابه «معجم معالم الحجاز» : «يوجد بمكة قرب حارة الباب جبل يسمى جبل المطابخ، وهو أحد نعوف قعيقعان الجنوبية. والمتقدمون قالوا سمي بذلك لأن تُبَّعًا همَّ بهدم البيت، فسقم فنذر إن شفاه الله نحر ألف بدنة، فعوفي فوفى بما نذر، وجعلت المطابخ هناك، ثم أطعم الناس». كما أن محمد بن عبدالله الأزرقي يقول في كتابه «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار»: «إن مضاض بن عمرو الجرهمي جمع الناس ونحر فيه حين غلبوا قاطوراء فسمي المطابخ». 

جبل عمر 

تحدد المصادر موقع جبل عمر بأنه جنوب غرب المسجد الحرام في حي المسفلة بطرف الشبيكة عند منطقة التقاء ريع الحفاير بالشبيكة، وهو يشرف بأحد سفوحه على شارع إبراهيم الخليل. ويصل ارتفاع الجبل إلى 394 مترًا. وكان هذا الجبل يسمى في الجاهلية ذا أعاصير، كما كان يسمى جبل النوبي قبل أن يُسمى جبل عمر. ويورد محمد الأزرقي في كتابه السابق أن عمر الذي ينسب إليه هذا الجبل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 

كدي 

يبين معجم لسان العرب أن كَداء بالفتح والمد: الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر، وهو المعلى. كما يبين أن كُدا، بالضم والقصر هي الثنية السفلى مما يلي باب العمرة، وأما كُدَيّ بالضم وتشديد الياء، فهو موضع في أسفل مكة، شرفها الله تعالى. 

في كتاب «المناسك» يقول إبراهيم بن إسحاق الحربي: ولمكة ثنيتان: الثنية العليا والثنية السفلى. وينقل عن السيدة عائشة، رضي الله عنها، قولها: «دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عام الفتح من الثنية العليا». كما ينقل قول ابن عمر، رضي الله عنهما: «أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يدخل مكة من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى». ويبين عبدالله بن عبدالعزيز البكري الأندلسي في كتابه «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» أن دخول النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة في حجة الوداع كان من كَدَاءَ وخروجه من كُدي. 

x
You are looking for