في أعماق البحر، حيث تبدأ رحلة البحث عن اللؤلؤ في جزر فرسان، تعود بنا الأيام إلى عادات وتقاليد سكان فرسان حينما تتجلى روح المغامرة والسعي وراء الرزق. لطالما شهدت هذه الجزيرة انطلاق رحلات صيد اللؤلؤ بعد انتهاء مهرجان الحريد السنوي، تلك المهنة العتيقة التي كانت تشكل عماد الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكان الجزيرة في حقب زمنية مضت.


تبدأ تجهيزات صيد اللؤلؤ بتفقد وتهيئة مالك السفينة لسفينته، ثم يجري تأمين منازل البحارة بالمؤن والمواد الغذائية الكافية لأسرهم طوال مدة غيابهم في البحر. ويُجهز طعام الرحلة الذي يشتمل على كميات من الذرة الحمراء أو البُرّ، وكميات كافية من المياه الصالحة للشرب، التي تُحفظ في آنية فخارية.


مع حلول شهر مايو، تبدأ رحلات الصيد التي تستمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، حيث يسهل الحصول على اللؤلؤ في هذه الأوقات. يتوجه الصيادون إلى مناطق "المغاص" أو "المعدن"، حيث توجد كميات من المحار أو ما يُعرف محليًا بـ"البَلْبِيل". ينزل الغواصون إلى أعماق البحر باستخدام "الجليلة"، وهي ثُقل يُربط بقدم الغواص ليساعده في النزول إلى أعماق يزيد أحيانًا عن 12 متر لاستخراج اللؤلؤ.


يتواصل الغواص مع مساعده على سطح السفينة بواسطة حبل، ليساعد في سحبه نحو السطح. يبدأ الغوص يوميًا عقب صلاة الفجر حتى الظهر، ومن ثم يخلد الجميع للراحة قبل أن تبدأ عملية "الفلْق" عقب صلاة العصر، حيث يجري فلق المحار ومعاينة حصاد اليوم.

ساهم ازدهار تجارة اللؤلؤ في ظهور مجموعة من الأثرياء الذين قادتهم التجارة إلى تسويق اللؤلؤ في دول الخليج العربي وأوروبا، وكذلك في الهند التي كانت سوقًا رائجة للؤلؤ. أدت هذه التجارة إلى تلاقح ثقافي ومعماري بين فرسان وبلدان الشرق، حيث تأثر تجار اللؤلؤ بالفنون الشرقية والنقوش المعمارية في تلك البلاد، ونقلوا تلك الأفكار إلى جزيرتهم.


شكلت رحلات البحث عن اللؤلؤ في أعماق البحر في فرسان مهنة  ملحمية تحمل في طياتها كثيرًا من التحدي والصبر، وتركت أثرًا لا يُمحى من وجدان الأهالي وتاريخ الجزيرة وثقافتها. لكن على الرغم من أن صيد اللؤلؤ تراجع في العصر الحديث بسبب اكتشاف النفط وتطور الصناعات الحديثة، إلا أن ذاكرة أهالي فرسان لا تزال تحتفظ بذكريات تلك الأيام الخوالي، وتسردها للأجيال الجديدة بفخر واعتزاز. لقد شكلت هذه الرحلات جزءًا من التراث الثقافي للجزيرة، وتُروى قصصها في المجالس وتُخلد في المهرجانات المحلية.



x
You are looking for