في الثاني والعشرين من شهر فبراير كل عام، تتزين أرجاء المملكة العربية السعودية بأبهى حللها، وتتوشح باللون الأخضر الجميل، احتفاءً بيوم التأسيس، ذلك اليوم الذي يحمل في طياته ذكرى عظيمة تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، مؤسسًا للحظة فارقة في تاريخ الجزيرة العربية، حيث أرسى الإمام محمد بن سعود دعائم الدولة السعودية الأولى، معلنًا بداية مرحلة جديدة من الوحدة والازدهار.


إن يوم التأسيس بأبعاده الزمنية، ليس تذكيرًا بالماضي فحسب، وإنما احتفالية تنبض بالحياة، وتعبّر عن الفخر بالتراث العريق والثقافة الغنية التي تميز المملكة. تبرز أهمية هذا اليوم في تعزيز أواصر الأخوة والمحبة والترابط بين الشعب وقيادته، مؤكدة على الوحدة الوطنية والهوية المشتركة التي تجمع أبناء الوطن تحت راية واحدة.

تتعدد فعاليات الاحتفال بهذا اليوم، من عروض ثقافية وتراثية تجسّد تاريخ المملكة وعراقتها، إلى معارض فنية تستعرض إبداعات الفنانين السعوديين الذين يستلهمون من الماضي لوحات تحكي قصصًا عن البطولات والأمجاد. ولا تغفل الفعاليات تقديم أنشطة تعليمية ترمي إلى تعريف الأجيال الجديدة بتاريخ بلادهم العريق، وإرثهم الثقافي الفريد.


يُعد يوم التأسيس فرصة للتأمل في مسيرة التطور والتنمية التي شهدتها المملكة على مدى العقود الماضية، واعترافًا بالجهود المضنية والتضحيات التي بذلها الآباء والأجداد لبناء هذا الوطن العظيم. إنه يوم يجسّد العزم والإصرار على مواصلة مسيرة البناء والتنمية، والعمل بروح الفريق الواحد من أجل مستقبل مزدهر يليق بالمملكة وشعبها.

واجهت المملكة العربية السعودية، على مرّ السنين، عددًا غير قليل من التحديات التي اختبرت صلابتها ومرونتها، سواءً على الصعيدين السياسي والاقتصادي أو غيرهما من الأصعدة الأخرى. يبرز من بين هذه التحديات، التأرجح في أسعار النفط، الذي لطالما شكّل عصب الاقتصاد السعودي، الأمر الذي وضع ضغوطًا على الموارد المالية للمملكة. فبرزت الحاجة الماسّة إلى تنويع مصادر الدخل للحد من الاعتماد على النفط. كما حرصت المملكة على مواجهة التحديات الناتجة عن التوترات الإقليمية، بالإضافة إلى الوعي بضرورة تحديث البنية التحتية والارتقاء بالأنظمة التعليمية، والصحية، وغيرها لتلبية احتياجات المواطنين المتزايدة.

في مواجهة هذه التحديات، برهنت المملكة العربية السعودية على قدرة فائقة في التعامل مع الصعاب وتجاوزها، من خلال تبنيها إصلاحات عميقة، وعبر تنفيذ خطط تنموية شاملة وطموحة. تأتي رؤية المملكة 2030 مثالاً بارزًا على هذه الجهود، حيث تسعى المملكة من خلالها إلى إعادة هيكلة اقتصادها بما يكفل تحقيق التنوع والاستدامة. ترمي هذه الرؤية إلى تعزيز القطاعات غير النفطية، مثل السياحة، والتقنية، والتعليم، والارتقاء بمستوى جودة الحياة للمواطنين من خلال تحسين الخدمات العامة والبنية التحتية.


تشير الجهود المبذولة والنجاحات الرائعة المتحققة في إطار رؤية المملكة 2030 إلى التزام المملكة بمواصلة مسيرتها نحو التطور والازدهار. يعكس هذا النهج الإصلاحي الشامل طموحات المملكة للتحول إلى مجتمع أكثر تنوعًا ومرونة، لديه القدرة على التعاطي مع التحديات المستقبلية بثقة وفعالية.

في يوم التأسيس، تتجدد العهود، وتتعزز اللحمة الوطنية، حيث يتوحد الشعب السعودي في احتفالية كبرى تعكس قوة الانتماء والفخر بالهوية السعودية، وتبرز الدور المحوري للمملكة في المنطقة والعالم. إنه يوم يعيد تأكيد القيم الأصيلة التي قامت عليها الدولة، ويجدد التزامها بمواصلة العطاء والتقدم نحو آفاق أرحب من التطور والازدهار.

يأتي يوم التأسيس منارة تضيء دروب المستقبل، مذكرًا كل سعودي بأهمية الحفاظ على الإرث الحضاري والثقافي للمملكة، والبناء عليه لاستحداث غدٍ أفضل. إنه يوم يجسّد عزة الوطن وكرامته، ويمثل دعوة لكل مواطن للمشاركة في رحلة البناء والتطوير المستمرة، حاملاً شعلة التأسيس من جيل إلى جيل، نحو مستقبل مشرق يعكس طموحات الشعب السعودي وآماله.

يمثل يوم التأسيس حجر الأساس لمسيرة ممتدة عايشها الوطن على مدى عقود، شهدت قيام الدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، ثم الدولة السعودية الثالثة التي قامت على يد، المغفور له، بإذن الله، الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، الذي وحّد أرجاء المملكة تحت لواء الدولة السعودية الثالثة في شهر سبتمبر عام 1932. 

واليوم تعد الدولة السعودية الثالثة أسمى تجسيد للكفاح الذي بذله الآباء والأجداد، إذ وُضعت اللبنات الأولى لدولة حديثة تجمع بين أصالة الماضي وروح العصر، فاستطاع الملك المؤسّس، بحكمته ورؤيته الاستراتيجية، أن ينجز وحدة تاريخية فريدة، ويؤسّس لدولة تعتمد على الشريعة الإسلامية في تنظيم شؤونها وعلاقاتها، مع الانفتاح على العالم وتبني مبادئ السلام والتعاون الدولي. وقد خلفه أبناؤه البررة، رحمهم الله، الذين واصلوا مسيرة البناء والتطوير، محافظين على الثوابت ومواكبين لمتطلبات العصر. حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، الذي واصل مسيرة البناء والتنمية، معززًا مكانة المملكة على الساحتين الإقليمية والدولية. وشهدت المملكة، تحت قيادته، تطورات مهمة في مختلف المجالات، منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى الاهتمام البالغ بقضايا البيئة والاستدامة.  

ويضع وليّ العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، عرّاب الرؤية الطموحة، "رؤية السعودية 2030"، نصب عينينه تحقيق نقلة نوعية في المملكة من خلال تنويع مصادر الدخل الوطني، وتعزيز دور المرأة في المجتمع، وتطوير البنية التحتية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والتأكيد على أهمية الشباب في بناء المستقبل، والعمل على تحفيز الابتكار والإبداع.  

إن يوم التأسيس تذكير بالجهود الكبيرة التي بذلها أجدادنا منذ الدولة السعودية الأولى والثانية وصولاً إلى الدولة الثالثة، حيث توحدت أرجاء المملكة على يد الملك المؤسّس، وواصل أبناؤه من بعده بناء دولة عصرية تُعظم تراثها وتسعى للتميز والريادة على الأصعدة كافة. إنه يوم للاحتفاء بماضي المملكة المجيد وحاضرها المزدهر، والنظر بأمل وتفاؤل نحو مستقبل واعد بمزيد من النجاح والتقدم. 

x
You are looking for