على ضفاف نهر مانزاناريس وسط إسبانيا تقع مدريد، إحدى أكبر مدن الاتحاد الأوروبي وواحدة من أبرز محطاته على الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياحي. يزورها سنويًا أكثر من سبعة ملايين سائح وفقًا للإحصاءات الرسمية، تمنحهم مدريد متسعًا من الأنشطة الجذابة التي تجمع بين الموسيقا والرياضة والفنون والمأكولات والتسوق والثقافة والترفيه في كل فصول السنة. ويزيد التجربة جمالاً الروح المرحة لسكانها، وحفاوة الترحيب بكل الثقافات.
في شوارع العاصمة
انطلاقة التجول في شوارع مدريد تبدأ من وسط المدينة، حيث تمثل ساحة بويرتا ديل سول الوجهة الرئيسة لكل زوار العاصمة الإسبانية بأبنيتها العريقة، وتمثال الدب الشهير الذي يمثل رمز المدينة. هناك يقف السائحون أمام لوحة «الكيلومتر صفر» التي تعني أنها نقطة الانطلاق التي تبدأ منها جميع شوارع مدريد.
تمثل الساحة نقطة انطلاق نحو شوارع وميادين عدة يتعرّف عبرها الزائر روح المدينة الجميلة، ومنها الميدان الأكبر بلازا مايور. ما إن يلج الزائر إلى الميدان حتى يجد نفسه وسط مربع فسيح يضم كثيرًا من المتاجر والمطاعم التي تقدم الوجبات الإسبانية التقليدية، وعلى رأسها متجر سان خينيس العتيق الذي يرجع تاريخه إلى عام 1894 ويقدم حلوى تشوروس الإسبانية الشهيرة مع الشوكولاته.
في وقت الغروب يكون المنظر خلابًا من فوق أسطح المطاعم والفنادق، أو من معبد ديبود المصري الواقع في قلب العاصمة الإسبانية قرب ساحة بلازا دي إسبانيا حيث يوجد تمثال دون كيخوتي، محارب طواحين الهواء، بطل الرواية الأشهر في الأدب الإسباني التي تحمل اسمه للكاتب ميغل دي ثربانتس، وكذلك تمثال مساعده سانتشو بانثا، وفي الجوار تكتمل الجولة من أمام القصر الملكي المهيب بالاسيو ريال وزيارته من الداخل.
وسط الطبيعة
يمكن الاستمتاع بجولة وسط الطبيعة في وقت النهار في متنزه الريتيرو بمساحته الفسيحة التي توفر الهدوء رغم وقوعه وسط المدينة. هناك حيث يسترخي الزائر داخل مركب في بحيرة تتوسط المحيط الأخضر، يشاهد المجسمات التاريخية الواقعة أمامه.
في الطريق إلى الريتيرو، يتوقف المارة عند ساحة سيبيليس التي تشتهر بكونها نقطة احتفالات فريق ريال مدريد بألقابه بين جماهيره. وبين سيبيليس وبوابات الريتيرو يجد الزائر نفسه أمام بوابة بويرتا دي ألكالا أي بوابة القلعة وهي إحدى البوابات الخمس التاريخية المؤدية إلى مدريد، وقد شيدت بين عامي 1769 و1778.
للانغماس أكثر وسط الطبيعة الخضراء فإن الطريق مفتوح ليأخذ الزائر بعيدًا عن وسط المدينة لحديقة كاسا دي كامبو التي تعد رئة مدريد الكبرى وأكبر حديقة عامة بها. تمتد هذه الحديقة على مساحة 1700 هكتار من الأشجار والمسطحات الخضراء غرب مدريد، أي أكبر بنحو خمس مرات من مساحة حديقة سنترال بارك في نيويورك. وتتضمن الحديقة أنشطة ترفيهية مثل ركوب التلفريك، ما يجعلها مكانًا مثاليًا للعائلات لقضاء وقت جميل دون الحاجة لمغادرة العاصمة.
عاصمة كرة القدم
من أكثر ما يميز العاصمة وجود نادي ريال مدريد وجاره أتلتيكو، الأمر الذي يعكس شغف المدينة بكرة القدم. وتعد زيارة ملعب كل فريق أحد الأنشطة الرئيسة التي لا يغفل عنها مشجعو الكرة. إذ يحتضن ملعب سانتياغو برنابيو نادي ريال مدريد. وتشمل زيارة الملعب دخول متحف النادي، وتفقد غرف ملابس اللاعبين، والميدان. كما انتقل فريق أتلتيكو مدريد مؤخرًا إلى ملعب واندا متروبوليتانو الجديد، الذي يستوعب 68 ألف مشجع.
ثقافة المشاركة
من أكثر ما تشتهر به مدريد تنوع الأكلات والأطباق الشهية ومشاركتها فيما يعرف بثقافة تاباس، أو مشاركة الأطباق الصغيرة لعدد من المأكولات بين مجموعة من الأشخاص. كما تشتهر مدريد أيضًا بشطائر الكالاماري المقلي التي يمكن تناولها في مختلف مطاعم المدينة، فضلاً عن طبق الباييا الإسباني الشهير المكون من الأرز وفواكه البحر.
تحتضن مدريد أيضًا أقدم مطعم في العالم، بحسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وهو مطعم السوبرينو دي بوتين، الذي يقع بالقرب من ساحة بلازا مايور، ويرجع تاريخه لنحو 300 عام.
إرث ثقافي
من أبرز متاحف مدريد متحف البرادو للفن الكلاسيكي ومتحف رينا صوفيا للفن المعاصر. يجسد المتحفان وجهة محبي الفنون، حيث تجتمع أعمال فنية رائعة لفنانين مثل دالي وفان جوخ وبيكاسو وغويا ومونيه وميرو.
تتضمن منطقتها الحضرية مناطق عدة جرى تسجيلها في منظمة اليونسكو بوصفها إرثًا بشريًا عالميًا، مثل متحف الإسكوريال ومنطقة ألكالا دي إيناريس، وذلك بسبب المحتوى الثقافي المدهش في هذه المواقع. أما من بين المعالم الحديثة للمدينة فيبرز برجا كيو المائلان.
تقع في مدريد أهم حلبة لمصارعة الثيران في العالم "لاس بينتاس". هذه الحلقة تمثل تجسيدًا للثقافة الإسبانية التي تحتفي بمصارعة الثيران والتي ظلت على مدار التاريخ من أهم العلامات المميزة لإسبانيا.
في الليل لا تكتمل التجربة الثرية إلا بسهرة في مسرح يشهد عروض رقصات الفلامنكو التقليدية مع تناول العشاء والاستماع لمعزوفات الغيتار الساحرة وأصوات المغنين الحماسية.
التسوق
تمثل مدريد ملاذًا لعشاق التسوق، وتعد الوجهة الأبرز في هذا النشاط ساحة بويرتا ديل سول وشارع غران بيا الشهير وسط المدينة، والأماكن المحيطة بهما، مرورًا بشارع فوينكارال. في هذه المناطق تتناثر متاجر الملابس العالمية والمحلية لتمنح المتجولين فرصة شراء ما يبحثون عنه. بينما في منطقة ميا دي أورو في قلب حي سالامانكا تستحوذ دور الأزياء العالمية والمتاجر الفخمة على المكان لتجربة تسوق مترفة في قلب مدريد.
لا تنتهي الخيارات عند هذا الحد، بل يفضل بعض المتسوقين الذهاب إلى ضواحي مدريد وتحديدًا منطقة لاس روثاس التي تبعد نحو نصف ساعة عن قلب المدينة، لقضاء اليوم في قرية لاس روثاس، والتسوق من نحو مئة متجر عالمي بأسعار متوسطة، والاستمتاع بالوقت بين المطاعم والمقاهي المتنوعة في البلدة.