في الوقت الذي احتلت فيه العاصمة الإنجليزية لندن المرتبة الثالثة عالميًا بين أكثر الوجهات العالمية زيارة في تصنيف ماستركارد لعام 2019، والمرتبة الأولى في بريطانيا، جاءت شقيقتها الصغرى مانشستر ثانية بين أكثر الوجهات زيارة في إنجلترا، بما تقدمه من مزيج خاص من التجارب، وفرص الاستكشاف في عالم الرياضة، والثقافة، والفنون التي تمنحها للزوار.
مانشستر، التي يقطنها ما يربو على ثلاثة ملايين نسمة في حاضرتها الكبرى، تعد موقعًا حيويًا للسياحة والسفر على خارطة بريطانيا بما تتيحه من تجارب مثيرة في عالم السياحة، حيث يتآلف الإرث العظيم الذي خلّفه زمن الثورة الصناعية مع معالمها التاريخية وطبيعتها الساحرة ووجهها المعاصر.
موطن كرة القدم
تضم مانشستر ناديين شهيرين في عالم كرة القدم على المستوى العالمي، هما مانشستر سيتي، حيث ملعب الاتحاد الواقع في شارع روزلي، ونادي مانشستر يونايتد في ملعب أولد ترافورد الواقع في سير مات بازبي واي. يجذب الملعبان الزوار لحجز جولات داخل كل منهما. تعد القمة الكروية التي تجمع الفريقين مع بعضهما بعضًا أو مع أيٍّ من باقي الفرق الست الكبار في الدوري الإنجليزي الممتاز من الأحداث المهمة التي يحرص زوار المدينة من عشاق كرة القدم على تجربتها في الدوري المصنف الأول من حيث القوة على مستوى العالم.
هذا التاريخ الحافل لمانشستر في عالم كرة القدم مهّد السبيل لاحتضانها المتحف الوطني لكرة القدم في شارع تود. يضم المتحف مجموعات مهمة من تذكارات كرة القدم، ويرسم تطور الكرة الإنجليزية منذ بداياتها، إذ تعد بريطانيا مهد هذه اللعبة الشعبية، ونقطة انطلاقها إلى سائر دول العالم.
مانشستر المتفردة
تحظى مانشستر بعدد من العلامات المتميزة التي تتفرد بها عن محيطها من سائر المدن الإنجليزية، ومنها على سبيل المثال، احتضانها أكبر مركز تسوق في بريطانيا وهو مانشستر أرندال، الذي يوفر فرص تسوق ثرية بين أشهر العلامات التجارية. كما تضم المدينة أيضًا برج بيثام، وهو أطول برج في بريطانيا خارج لندن.
تشتهر جامعة مانشستر العريقة بأنها أخرجت للعالم أبحاثًا غيرت مجرى التاريخ مثل تسجيل أول انشطار للذرّة في الأربعينيات، وإنتاج أول جهاز حاسب آلي في العالم عام 1948. هذه المنجزات كانت امتدادًا لدور المدينة التاريخي، وكونها مهدًا للثورة الصناعية حين كانت مركزًا لتصنيع الغزل والنسيج.
عاشت مانشستر عصرًا ذهبيًا في فترة ازدهارها الصناعي، حيث بُنيت معظم معالم المدينة التي تدل على ثروتها. ولكن المدينة التي جمعت ثروتها من عصر الرخاء الصناعي كانت أيضًا الأكثر معاناة في أثناء فترة الكساد العظيم بين الحربين العالميتين. فضلاً عن تحملها أعنف الهجمات خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أدى إلى تدمير كثير من معالمها ومبانيها التاريخية.
ثقافة وفنون
من يسعَ لنفحات الثقافة في المدينة فعليه التجول في شوارعها العريقة، وزيارة قاعة الفنون في شارع موزلي، وقسم الفنون الجميلة في جامعة مانشستر التي تقع في شارع أكسفورد، وهو الشارع الذي يضم أيضًا متحف المدينة. هذا بالإضافة إلى المتحف الحربي الواقع قرب منطقة ستريتفورد.
تستضيف مانشستر، فنيًا، فرقتي أوركسترا هما هالي، وبي بي سي. وتعد المدينة من مراكز بريطانيا الشهيرة في تعليم الموسيقا. إذ تقع فيها كلية الموسيقا الملكية الشمالية، ومدرسة تشيثام للموسيقا. وإلى جانب دار الأوبرا بالمدينة وثلاثة مسارح كبرى تضم مانشستر أيضًا عشرات من قاعات الموسيقا والاحتفالات.
تحتضن المدينة منذ ثلاثينيات القرن الماضي مكتبة مركزية في ساحة سانت بيتر، وذلك امتدادًا للدور الثقافي المتميز لها. تشتهر المكتبة بمبناها ذي التصميم المعماري المذهل الذي يشبه إلى حدٍّ كبير مبنى البانثيون في العاصمة الإيطالية روما بقبته الشهيرة. وعلى غرار التميز ذاته يحظى مبنى مجلس المدينة بشهرة واسعة بسبب نمطه المعماري القوطي. يرجع تاريخ المبنى إلى عام 1877 ويجاور المكتبة المركزية.
محطة انطلاق
موقع المدينة المتميز على خارطة بريطانيا جعل منها محطة انطلاق لرحلات سياحية تستغرق يومًا واحدًا إلى كثير من الوجهات القريبة. فخلال أقل من ساعة وانطلاقًا من قلب مانشستر يمكن للسائح الوصول إلى عدد من المدن المهمة وأبرزها ليفربول من جهة الغرب، حيث الإطلالة على بحر أيرلندا، ومدينة تشستر إلى جهة الجنوب الغربي. ومدن بولتون، وبريستون، وبلاكبول إلى جهة الشمال الغربي، ومدن هدرسفيلد، وبرادفورد، وليدز إلى جهة الشرق.
تشمل المعالم القريبة من المدينة أيضًا منطقة البحيرات، وحديقة غودريل بنك بارك العلمية، ومدينة ملاهي ألتون تاورز، ومحمية طيور مارتن مير في لانكشاير، بالإضافة إلى حدائق الأسماك، ومعارض الفنون، والكهوف الطبيعية، والقصور التاريخية، وحدائق الحيوانات.
وجهة خضراء
السير على الطرق المؤدية إلى الوجهات المحيطة بمانشستر، لاسيما المدن الصغيرة سيضع الزائر في أجواء الريف الإنجليزي الساحرة مع المشاهد التي تتراءى أمامه خلال رحلته داخل هذه الواحة الخضراء.
تنتشر المتنزهات داخل مانشستر وفي محيطها، وأشهرها هيتون بارك، الذي يضم حديقة للحيوانات يمكن زيارتها مع الأطفال، فضلاً عن احتوائها على ملعب للغولف، وحوض مائي جميل. أما حديقة سيل ووتر بارك فيقطعها نهر ميرساي، وتعد مكانًا مناسبًا للتنزه والمشي على ضفاف بحيرتها الكبيرة. ويمكن اصطحاب الأطفال لزيارة المتحف العلمي في شارع ليفربول، ومركز ألعاب ليغولاند في ميدان بارتون.
وسط هذا المزيج المتناغم من الأنشطة السياحية الشاملة يجد الزائر نفسه قد جمع كل التجارب التي يبحث عنها في مدينة جميلة، تصنف على أنها عاصمة الشمال الإنجليزي، ومحطة رئيسة للسياحة في إنجلترا.