أكثر من ثمانية قرون من الزمن ظل فيها برج بيزا المائل على حاله، رغم محاولات عدة لإعادته إلى وضعه الطبيعي عموديًا مستقيمًا في أزمنة مختلفة، خشية سقوط هذا البرج الصامد الذي استغرق بناؤه ما يقرب من مئتي عام.

يقع البرج في مدينة بيزا الإيطالية، وتم بناءه ليحمل جرس كاتدرائية بيزا، وبدأت عملية البناء عام 1173، ولم تمر أكثر من خمس سنوات، حتى بدأ البرج في الميلان بعد بناء الدور الثالث، وتوقفت عملية البناء في منتصف الدور الرابع لمدة قرن كامل، إلى أن بدأت عملية البناء من جديد عام 1272 وتم استكمال البناء حتى الدور السابع، ثم توقف البناء من جديد، ولم يستكمل بناء الدور الثامن والأخير إلا في عام 1372، حيث تم وضع الجرس الخاص بالكاتدرائية.


المبنى الذي بني على الطراز الروماني، استخدم الرخام الأبيض في بنائه، ويمكن للجميع ملاحظة درجة ميلانه الكبيرة عن الأرض، والتي بسببها ثارت الكثير من المخاوف من إنهياره، حيث سجلت الكثير من المحاولات لمعماريين حاولوا علاج المشكلة، إلا أن محاولاتهم جميعها لم يكتب لها النجاح، بل إنها في بعض الأوقات زدات من وضع البرج سوءًا. ويقال إن السبب الرئيس في حدوث الميلان في البرج هو هبوط أرضي في الطبقة الرخوة أسفل المبنى.

ونجا البرج بأعجوبة من التدمير في أثناء الحرب العالمية الثانية، حين قامت أمريكا بتدمير كل الأبراج في مدينة بيزا خشية من وجود القناصين عليها، وكان من المخطط تدمير هذا البرج إلا أنه صدرت أوامر في اللحظة الأخيرة للقوات بالانسحاب ونجا البرج من التفجير.

أول المحاولات التي جرى من خلالها محاولة تعديل الميلان، كانت في مرحلة العمل الأولية مع بدء البناء حين مال البرج باتجاه الشمال قليلاً، فقام المصممون بصنع الأعمدة والأقواس في الطابق الثالث في الجهة الشمالية الغائرة أطول قليلاً من مثيلاتها في الجهة الجنوبية، إلا أن العمل توقف في منتصف الدور الرابع عام 1178 بسبب القلاقل السياسية.


بعد استئناف العمل عام 1272 مال البرج باتجاه الجنوب، ولجأ المصممون إلى تعديل ارتفاع الطابق الخامس عن طريق إطالة الجانب الجنوبي عن نظيره الشمالي، وبعدها بستة أعوام توقف العمل مرة أخرى في البرج بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد، إلا أن الميلان بعدها بسنوات قليلة بدا واضحًا جدًا.

مع بناء الطابق الثامن الذي يمثل حجرة الجرس، حاول المصممون مرة جديدة تصحيح الميلان عن طريق إمالة حجرة الجرس بزاوية تتجه نحو الشمال، إلا أن الجهود لم يكتب لها النجاح، ولكنها على الأقل حالت دون تحطم البرج بالبقاء لفترة طويلة دون المزيد من الانحراف والميلان.

وكان للجهود المبذولة لإنقاذ البرج آثارًا جانبية سلبية غير مقصودة، ومنها محاولة عزل قاعدة البرج لمنع تسرب المياه إليها من الأسفل عام 1935، حيث تضمنت خطة الإنقاذ عمل بعض الثقوب في الأساس بشكل مائل وملئها بخلطة أسمنتية، إلا أن النتيجة كانت غير متوقعة على الإطلاق، إذ قفز معدل الميلان في هذا العام إلى أكثر من ست مرات عن العام الذي يسبقه.

في عام 1964 طلبت الحكومة الإيطالية المساعدة في منع البرج من السقوط، وتم الاستعانة بمجموعة من المهندسين والمعماريين الإيطاليين والأجانب، لمناقشة كيفية تثبيت البرج، وظلت الدراسة لفترة طويلة، حتى عام 1990 حينما قررت الحكومة الإيطالية إغلاق البرج أمام الزوار خوفًا من تعرضه للانهيار في أي لحظة، وفي هذه الأثناء بدأت جهود كبيرة لتصحيح وتثبيت البرج بشكل أقوى، ومن بينها إضافة الرصاص كثقل مقابل على الطرف المرتفع من قاعدة البرج، وإزالة 38 مترًا مكعبًا من التربة من تحت الطرف المرتفع من قاعدة البرج، حتى تم إعادة افتتاح البرج من جديد عام 2001، وإعلانه مستقرًا لمدة ثلاثمائة عام قادمة على الأقل.

يبلغ ارتفاع البرج 55 مترًا ويتألف من ثمانية طوابق، ويبلغ قطره الخارجي للقاعدة 15 مترًا، وقطره الداخلي 7 أمتار، ويوجد بداخله ما يقرب من 300 درجة من السلالم تقود الزوار من قاعدة البرج إلى قمته، ويحتوي حاليًا على مصعد كهربائي، ويبلغ الفرق بين قمة البرج من الأعلي وقاعدته من الاتجاه الجنوبي الذي يميل إليه البرج ما يزيد على 5 أمتار.

x
You are looking for