الشغف الكبير بالصحراء، والرغبة في الاستكشاف تقف دائمًا وراء كل مغامرة يخوضها المستكشف الإيطالي ماكس كالديران الذي يقول: «لن أتقاعد من مهماتي الاستكشافية أبدًا، سأموت مستكشفًا.» بالرغم من أنه يدرك حجم المخاطر التي يتعرض لها في كل مغامرة يخوضها، إلا أنه يستمتع بهوايته في استكشاف كل جديد، حتى إن سجله يحمل 13 رقمًا قياسيًا عالميًا في استكشاف الصحاري. وقد قام خلال العام 2020 بمغمرة جديدة عبر خلالها الربع الخالي من المنتصف بدءًا من نجران جنوب المملكة العربية السعودية، ومشيًا على الأقدام قاطعًا نحو 1200 كيلومتر، ليصبح أول من يخوض هذه المغامرة.
رحلة استكشافية وصفها كالديران بالملحمة التي سعى لتحقيقها بعد عشرات السنين من بقائها في الذاكرة حينما قرأ عن الربع الخالي للمرة الأولى في أحد الكتب التي تتحدث عن جغرافيا المملكة العربية السعودية عام 1974. كانت المعلومات في الكتاب تشير إلى أن عبور الربع الخالي يعد مستحيلاً لأنه أكبر صحراء رملية في العالم. حينها ذهب كالديران إلى والدته وأخبرها بأنه سيقوم بذلك يومًا ما.
تجربة كالديران لم تكن الأولى، إذ حاول في عام 2012 عبور الربع الخالي مع اثنين من أصدقائه السعوديين. بالرغم من شعوره بالقوة والحماس للقيام بهذه المغامرة آنذاك، إلا أنه اضطر إلى إيقافها بسبب شدة الرياح، وعدم حصولهم على تصريح للقيام بهذا النشاط، فتأجل الحلم حتى يكون الإعداد لتحقيقه أنسب وأكثر أمانًا.
خلفية كالديران في الرياضات الخطرة من تسلق الجبال، والتزلج على الجليد ساعدته كثيرًا في هوايته الاستكشافية. ليس هناك مستحيل عنده. وفي مغامرات الصحراء لا مكان للمستحيل إذا ما أعد المرء نفسه بدنيًا بالصورة الصحيحة، وتحلى بالإيمان والثقة بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
تنقسم الصعوبات في رحلته إلى محورين: الأول يتعلق بنوعية الحيوانات الموجودة في الصحراء التي يمكن أن يواجهها المستكشف. وهذا هو الجانب الأبسط من وجهة نظر كالديران، إذ يمكنه التغلب عليه بالبقاء حذرًا في تحركاته ليلاً ونهارًا، خصوصًا مع كونه ينام لمدد قصيرة جدًا خلال رحلاته الاستكشافية. بينما التحدي الآخر والأكثر أهمية يتعلق بالعقل والتفكير في أثناء القيام بهذه المغامرة. فإذا ما أصيب المستكشف بالذعر من كونه وحيدًا لمدة طويلة في الصحراء، فقد يدفعه ذلك ليتصرف بصورة خاطئة قد تؤدي به إلى نتائج غير محمودة. لذلك ينبغي التحلي بالثقة التي تمنح الشخص القوة من الداخل لتحقيق الهدف.
حول المخاطر التي تعرض لها كالديران في السابق يقول: «لقد كنت محظوظًا جدًا في تجاربي السابقة لأنني لم أواجه مخاطر شديدة، وذلك لأنني أحرص دائمًا في أثناء استكشافي على مواصلة المشي في أثناء الليل، لأن ذلك أقل خطرًا من النوم في مكان مجهول في الظلام. لكن أبرز المشكلات التي واجهتني في إحدى رحلاتي هي إصابتي بالجفاف حينما انتهت المياه التي أحملها، ما تسبب في إصابتي بانعدام التركيز، ودفعني للسير في الاتجاه الخطأ على الرغم من امتلاكي نظام ملاحة دقيقًا. ولكنني وبحكم ما لدي من خبرة استطعت تعديل وجهتي والنجاة من هذا المأزق والوصول إلى وجهتي بسلام.»
تعلم المستكشف الإيطالي الصبر من اختلاطه مع البدو في الصحراء، فيقول: «إن هذه الصفة الأهم التي ينبغي التحلي به في أثناء خوض مثل هذه التجارب، لاسيما مع المشي لمسافات طويلة جدًا سيرًا على الأقدام في مناطق لا يمكن للسيارات الولوج إليها أو عبورها.» فالربع الخالي غير مستكشف خصوصًا المنطقة الوسطى منه، الأمر الذي دفع بفريق تصوير محترف إلى توثيق هذه الرحلة في فيلم تسجيلي. هذا الفريق إلتقى كالديران في مواقع محددة خلال رحلته إلى قلب الربع الخالي، وذلك بهدف مشاركة هذه التجربة مع الناس. يقول كالديران: «ليس هدفي من هذه المغامرات تحقيق رضا ذاتي وإشباع داخلي فقط، بل أسعى لمشاركة ذلك مع الناس، وإيصال رسالة بأنه لا يوجد مستحيل، وأن كل إنسان لديه قدرات كبيرة يمكنه استغلالها في التغيير.»
يعترف كالديران بأن المملكة العربية السعودية من أحب البلدان إلى قلبه، وتملك كثيرًا من الأماكن التي ينبغي استكشافها، وأنه يخطط لمزيد من الاستكشافات في المملكة مستقبلاً، وأن حبه لها ولطبيعتها يدفعه دومًا إلى إقناع غيره بزيارتها للتعرف إلى طبيعتها الجميلة، وزيارة المواقع الأثرية والتعرف إلى الثقافة الفريدة للمملكة العربية السعودية، لأن امتزاج الثقافات يعد جسرًا لتحقيق التفاهم المشترك بين الشعوب والبلدان.