في أرض عسير التاريخ والإنسان، تربض محافظة رجال ألمع، مسندة ظهرها من جهة الغرب إلى البحر الأحمر، ومحروسة من جهة الشرق بمركز السودة. أما شمالها فيتاخم محافظة محايل عسير، وفي جنوبها تجاور محافظة الدرب، ولا سبيل إلى أن تبلغها إلا إذا قطعت مسافة تقارب 52 كيلو مترًا من مدينة أبها باتجاه الغرب. هناك في تلك الجبال الشوامخ، تقوم محافظة رجال ألمع، حافلة بتاريخ مرصّع بالبطولات والتضحيات، وزاخرة بموروثات شعبية وشواهد تكشف عن العمق التاريخي لهذه المنطقة وإنسانها.
إن جئتها صيفًا، فيتوجب عليك أن تحتمل درجة الحرارة المرتفعة، بعامل ارتفاع معدلات الرطوبة لمجاورتها للبحر الأحمر، شأنها شأن كل المدن الساحلية، بصيفها القائظ الرطب. أما إن جئتها شتاء، فستنعم بدرجات حرارة معتدلة، ومناخ رائق، جعل من هذه المحافظة ملتجأ للسياحة، وقبلة للزائرين.
شجاعة وبسالة
إن الشواهد التاريخية تجتمع كلها على وصف إنسان هذه المحافظة بالقوة والبسالة، والشجاعة والإقدام، في كل الحروب التي خاضها في العصور القديمة، فأصبحت سمة لازمة لهم. لعل الشاهد على ذلك يتجلى فيما ذكره المؤرخ الطبري من أن رجال ألمع شاركوا مع بارق وغامد في معركة القادسية الشهيرة ضد الإمبراطورية الفارسية، وظلوا على هذا المنوال من المجاهدة والبطولة والتضحيات حامين للمنطقة، وذائدين عن حماها. ولم يزل أثر ذلك قائمًا إلى اليوم حيث انعكس على النمط المعماري للمحافظة، والمتميز بالطوابق العديدة، والتي يصل بعضها إلى ثلاثة طوابق، فيما عرف قديمًا بالحصن، حيث ظلت هذه المباني بصورتها الماثلة معينة لرجال ألمع على التصدي لكل الهجمات التي كانت تستهدف أمنهم، وتعكر صفو حياتهم.
متحف رجال ألمع
يعد متحف رجال ألمع الدائم للتراث، الذي أنشئ في عام 1405هـ في حصن آل علوان، مركزًا حضاريًا وتراثيًا مهمًا في منطقة عسير، بما يوفره من فرصة للوقوف على تاريخ هذه المنطقة وحضارتها، قياسًا على ما يذخر به من مقتنيات أثرية ثمينة، وذات بعد تاريخي ضارب في القدم. اللافت في هذا المتحف أنه قام على قواعد أكبر حصن في المحافظة، وأن أهالي المنطقة هم من بادروا بإنشائه وجمع تراثهم فيه، بما يكشف عن وعي كبير، ورغبة أكيدة في حفظ التراث، ونقله للأجيال بصورة مناسبة، فكان أن تنازل كثير منهم عن حليهم الخاصة من الفضة ومدخرات الزينة لتصبح مفردات تراثية في داخل هذا المتحف الجميل. استغرق العمل في إنشاء المتحف وجمع مقتنياته زهاء العامين، حيث افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، في عام 1407هـ حينما كان أميرًا لمنطقة عسير.
يضم المتحف أكثر من ألفي قطعة أثرية ومخطوطة مستوعبة في (19) قسمًا، جعلت من المتحف وجهة مفضلة لزوار المحافظة وسائحيها. ما زالت سجلات الزائرين تشهد تنامي الأعداد موسمًا بعد آخر.
النمط المعماري
تتميز محافظة رجال ألمع بنمط معماري خاص بها، تبرز فيه مهارة الإنسان في هذه المنطقة، وقدرته على تطويع عناصر البيئة من حوله لإنشاء مسكنه بما يوفر له الراحة والأمان والجمال في الوقت نفسه. قوام هذه المباني الحجارة الصلبة المأخوذة والمنحوتة من الجبال الشامخة في المنطقة، مضافًا إليها الطين، لتشمخ المباني من ثلاثة طوابق، إلى ثنائية في بعض البنايات، وتسمى «الحصن» في المنطقة، ويستعمل الخشب فيها لصناعة النوافذ والأبواب. كما يجري تلوين الأبواب والنوافذ بطلاء مختلف الألوان، والأشكال الهندسية والرسومات التي برع فيها رجال ألمع. أما في داخل المباني فيتم نقش الجدران بطريق فردية تعرف بـ«فن القط»، وفيه تظهر النساء في الغالب براعتهن في رسم الأشكال العديدة، وتلوينها بألوان زاهية، تصنع من المواد المحلية كالفحم، والحجارة الحمراء، والمرو، والأرز المحمص، إذ يجري خلطها مع مادة الصمغ، لتصير لونًا قابلاً للتزيين، بما يعطي البناء مظهرًا جذابًا. يتم الرسم والطلاء، عادة، بالريشة المستخرجة من شعر الأغنام. لفن القط أنواع، منها، المشط، والشبكة والمحاريب. ويعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة قرون خلت. أما ساحة البناء الخارجية ففي الغالب تزود بمجموعة من الكراسي الخشبية، مع مفروشات من الحصير المصنوع محليًا، بما يتيح جلسة يقصدها سكان البيت للاسترواح في أوقات متفرقة.
الزي الألمعي
يتناغم مع هذا النمط المعماري المفعم بالألوان، طراز في اللباس الألمعي لا يقل عنه روعة وتنوعًا في الألوان أيضًا. فثمة تنوع في الزي الألمعي في المحافظة نفسها من منطقة لأخرى، إلا أن هناك زيين يغلب التعاطي معهما في المحافظة، الأول يتألف من الثوب والمعجز والشفرة والصمادة، وهذا نجده منتشرًا في شمالي المحافظة ممتدًا إلى جنوب كسان. أما في منطقة الجبيل وما جاورها فنجد نمطًا آخر من اللباس يتمثل في «الحوكة» وهي رداء وإزار. أما الزي النسائي، فيغلب عليه لبس «الجلابية» بوصفها الثوب العسيري المعروف في هذه المنطقة منذ القدم.