تاريخ موغل في القدم، وطرق قديمة من الحرير حتى الحج. وممالك تلو ممالك، ونحت، ونقش، وصحراء بديعة بالرمل والتكوينات الصخرية الآسرة. إنها مدينة الحجر، مملكة الأنباط، مملكة دادان، الحِجر الواقعة في محافظة العلا شمال غرب المملكة العربية السعودية.
تقع الحِجر على بعد 22 كيلو مترًا من محافظة العلا. ويعود تاريخ استيطانها إلى القرن الأول قبل الميلاد، إذ كان يطلق عليها آنذاك الحِجْر. ويمثل هذا التاريخ بداية سكن الأنباط في الحِجْر، التي احتلت موقعًا متميزًا على طريق التجارة القديم «طريق البخور» الرابط بين جنوب الجزيرة العربية وكل من بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر.
هذا الموقع أهَّل الأنباط لاحتراف التجارة، ما ساهم في تمكينهم من تأسيس مملكة الأنباط التي كان لها عاصمتان، الأولى في البتراء والأخرى في الحِجْر التي تعد ذات تضاريس يعز نظيرها. فجبالها وردية اللون، وكثبانها ذهبية، وتحيط بها الجبال من جميع الجوانب، وكأنها ياقوتة تحفظها الجبال من الأجواء الصحراوية.
ظلت مملكة الأنباط محطة رئيسة على طريق البخور ولم تخبُ أهميتها، بل ازدادت مع انتشار الإسلام. فقد أضحت مركزًا مهمًا على طريق الحج الشامي. فأُنشئت بها القلاع وعيون المياه لخدمة الحجيج. وظلت على هذا النحو حتى أُسست بها محطة على طريق سكة الحجاز في بدايات القرن الشعرين فاكتسبت مكانة أكثر تميزًا.
سياحة المدائن
جرى تسجيل الحِجر ضمن قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو في عام 2008، وقريبًا ستتحول إلى وجهة عالمية في ظل رؤية 2030 الواعدة. فهي أول موقع سُجل في المملكة العربية السعودية ضمن قائمة التراث العالمي.
تضم الحِجر واجهات صخرية لافتة منحوتة في الصخر، ومجموعة من المقابر أو ما سميت بالقصور من أبرزها: قصر الصانع، وقصر الفريد، ومجموعة قصر البنت، بالإضافة إلى مجموعات من المقابر في كل من جبل المحجر، والخريمات، وجبل إثلب. كما تضم آثارًا إسلامية تتجسد في القلاع، هذا غير بقايا خط سكة حديد الحجاز. وقد عُثر على أكثر من مئة وخمسين بئرًا للمياه في الحِجر، بينها آبار تتجاوز أعماقها ثلاثين مترًا. وبجانب عيون المياه أنشأ الأنباط خزانات لتجميع مياه الأمطار. كما تنتشر في الحِجر النقوش النبطية، بالإضافة إلى النقوش العربية الجنوبية، واللحيانية، والثمودية النبطية، واللاتينية. وكل هذه النقوش منحوتة على واجهات الجبال والمقابر.
من أبرز ما تضمه الحِجر القلعة العثمانية التي تتكون من فناء، وطابقين، وبركة ماء تستقي ماءها من بئر القلعة. وتدخل هذه القلعة ضمن قلاع طريق الحج الشامي. ولقد بنيت على بئر الناقة الذي كان يقصده الحجاج عند مرورهم بالحِجر.
ومن أشهر المعالم الأثري في الحِجر:
قصر الصانع
هو أول القبور في الحِجر. يتألف من كتلتين صخريتين، إحداهما غربية تحتوي على مقبرة يطلق عليها قصر الصانع، ونقش على هذه المقبرة تاريخ يعود إلى شهر أبريل من السنة السابعة عشرة من حكم الحارثة الرابع، أحد ملوك الأنباط. أما الصخرة الشرقية فتضم ست مقابر لكنها ليست بضخامة المقابر الغربية.
قصر البنت
تعد هذه المجموعة من أشهر آثار الحِجر، وتتكون من كتلتين صخريتين: الأولى ضخمة وتمتد بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، وتضم تسعًا وعشرين مقبرة، بينما تقع الصخرة الأخرى في الشمال الغربي من الصخرة الأولى وتضم مقبرتين في جهتها الشرقية. وتمثل هذه المجموعة قمة التقدم الذي وصل إليه الأنباط في فنون النحت والنقش والزخرفة. وهناك من يخلط بين قصر البنت الموجود قي قرية العيص التابعة لمحافظة ينبع وبين مجموعة هذه المقابر المنحوتة من الصخر في الحِجر.
قصر الفريد
أطلق على هذه المجموعة من المقابر اسم الفريد لتفرده ونحته في صخرة ضخمة، ولاشتماله على جمال معماري لا مثيل له من بين المجموعات الأخرى. كما نحت في واجهة هذا القصر صورة أسدين وأربعة أعمدة خلافًا للمقابر الأخرى التي تشتمل على عمودين فقط.
مقابر الخريمات
يكثر في منطقة الخريمات واجهات المقابر التي يبلغ عددها ثلاثًا وخمسين مقبرة موزعة على مجموعات من الكتل الصخرية. ومن أبرز ما يميز هذه المجموعة تنوع واجهاتها وزخارفها.
كما توجد وسط الحِجر مجموعة أخرى تختلف واجهاتها عن المجموعات الأخرى، إذ تحمل واجهاتها زخارف مختلفة ومتنوعة عما نُقش على الواجهات الأخرى. وتنقسم المقابر إلى مجموعتين: الأولى تضم ثماني عشرة مقبرة، وتضم الأخرى مقبرة واحدة فقط، وسميت مجموعة ج.
جبل إثلب
يحتضن جبل إثلب منطقة الديوان التي تكتنز بالرموز الدينية، بالإضافة إلى المحاريب التي تنتشر في مواقع متفرقة من الجبل. وكان لهذا الجبل مكانة خاصة لدى الأنباط، إذ كانوا يتخذون منه مركزًا دينيًا لممارسة عباداتهم وطقوسهم.