فتحي سمير

 

تحيل طبيعة العلا المشهد إلى لوحة فنية ترسم موقعًا من أجمل المواقع التي يمكن أن يحظى المرء بزيارتها يومًا. تلك الصخور الرملية التي تميل إلى الحُمرة وتنتشر على الرمال الذهبية لصحراء العلا، والتي تبدو منثورة بعناية في صورة كتل تركت بينها فراغات جسدت مسارات استكشاف لطبيعة أسطورية يقف المرء مشدوهًا بين جنباتها يُطالع إبداع التكوين وروعة التفاصيل.

ربما تتبادر إلى الأذهان أسئلة كثيرة حول تاريخ العلا والممالك القديمة للأنباط ودادان، وعن سبب وجودها في هذا الموقع، واختيار الصخور الضخمة لنحت الواجهات العملاقة في الحِجر والنصوص المنقوشة على الصخور في جبل عكمة، وكلها تجسد أعاجيب تاريخية وأثرية خلفتها الممالك القديمة في المملكة العربية السعودية. لا يستغرق المستكشفون كثيرًا من الوقت في توقع الإجابات التي تتراءى أمامهم مع هذه الطبيعة المذهلة التي يعز نظيرها في أي موقع آخر في شبه الجزيرة العربية، فضلاً عن أهمية الموقع ذاته وارتباطه بممالك أخرى في شمال شبه الجزيرة العربية، والتي جسدت العلا امتدادها وعاصمتها الجنوبية.

 

 


تظل العلا بطبيعتها وتكويناتها الصخرية المذهلة وجهة فريدة استوطنها البشر على مدى آلاف السنين من حيث كونها واحة خصبة بديعة، ينتشر النخيل بين جنباتها مجسدًا واحدًا من مشاهد الحياة التي تعززت في الوقت الحاضر بأعداد كبيرة من هذه الأشجار التي تُزيّن الوادي بين الكتل الصخرية التي تتراءى على مرمى البصر. وعلى مدى عمرها منذ آلاف السنين بقيت شواهد تاريخية في كل حقبة مرت بها هذه المنطقة ماثلة لتُدلل على حياة من استوطنوها من قبل الميلاد وحتى العصر الإسلامي وفي القرون الحديثة، ومن ذلك منطقة الحِجر، وجبل عكمة، وقلعة العلا، والبلدة القديمة المتاخمة للعلا الحديثة والتي يرجع تاريخها للقرن الثاني عشر، والتي تتراصف منازلها مجسدة شطرًا من تاريخ مضى ظلت فيه هذه القرية على مدى قرون موطنًا لأهل العلا حتى قبل عقود قليلة.

تجسد العلا مزيجًا من الطبيعة الساحرة، والتاريخ العريق، والثقافة المتجذرة، والاستيطان البشري المتعاظم، لتُمسي في الوقت الحاضر واحة للإلهام، ووجهة للاستكشاف، وحاضنة للفنون، وتنطلق معها الرحلة في "وادي الفن".

 


وادي الفن

اليوم تنهض العلا على مشروع وادي الفن، الذي منذ أن جرى الإعلان عنه قبل أشهر والعلا تتأهب لتضيف إلى رصيد جمالها المزيد من الإبداع على أيدي مجموعة من الفنانين العالميين والسعوديين.

في وادي الفن محاكاة جديدة بين الفن والطبيعة تعكس عمقًا وثراءً يقدمه الفنانون الذي يهبّون للعمل على مشروعهم بعدما يتشبعون بمشاهد العلا الآسرة، لتكون الطبيعة مصدر الإلهام لإبداع الأعمال الفنية التي سيجري تصميمها لتحاكي هذا الجمال، وتتآلف معه، بل وتمنحه ما يستحقه من احترام لخصوصية التكوين لتتماهى الفنون مع الطبيعة في وادي الفن.

يجسد الوادي معرضًا فنيًا فريدًا من نوعه سيستمر تطوير نشاطه لسنوات قادمة على يد أشهر رواد فن الأرض في العالم من أجيال مختلفة يعملون على موقع وادي الفن في مساحة تقدر بنحو 65 كيلو مترًا مربعًا عند اكتمال المشروع عام 2024.

سيستقطب الوادي عشاق الفن والرحالة من جميع أنحاء العالم لخوض تجربة استكشاف فريدة تجمع بين الفن والطبيعة المذهلة لموطن الحضارات والممالك القديمة.

 


فنانون مشاركون

يشارك في وادي الفن نخبة من الفنانين من السعودية والعالم، وتتضمن هذه الأسماء كلاً من:

منال الضويان:

فنانة سعودية مبدعة تتناول الذاكرة الجمعية، ووضع المرأة بالمجتمع. تعتمد منال تركيبًا فنيًا دهليزي الشكل مستوحى من الجدران الطينية لبلدة العلا القديمة.

أحمد ماطر:

فنان سعودي يوثق واقع المملكة العربية السعودية المعاصر. يحمل عمله الفني الجديد عنوان "أشهب اللال"، ومن خلاله يستكشف المساحة الكامنة بين التصور الشخصي والواقع الموضوعي من خلال إحداث سراب يتسلل بين التلال الرملية.

 


أغنيس دينيس

تعد الفنانة رمزًا من رموز الفن المفاهيمي الذي طبع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ستصمم أغنيس عملاً فنيًا يُعد امتدادًا لسلسلة أعمالها الهرمية المبتكرة، حيث ستصمم أهرامات تبعث الحياة من جديد في ثنايا الوديان الصامتة.

جيمس توريل

كرس الفنان أعماله في إطار الفن الإدراكي لاستطلاع الجانب المادي للضوء وحدود إدراك الإنسان. سيعزز الفنان من التجربة الحسية للفضاء والألوان والإدراك ليخلق بناء عليها مجموعة من المساحات على امتداد أرضية الوديان.

مايكل هايزر

نحات شهير، امتاز بمنحوتاته الكبيرة التي يصممها للعرض في الهواء الطلق وفي قلب صالات المتاحف. سيكشف هايزر في وادي الفن عن سلسلة من النقوش الخطية الجديدة على أسطح الأودية الصخرية التي تهدف لإبراز جيولوجيا المنطقة الفريدة.

 


x
You are looking for