عبير الفوزان

 

بين غرناطة وقادس تتماهى هذه المقاطعة التي تطل جنوبًا على البحر الأبيض المتوسط. من عمق الجنوب الإسباني تنبثق مدينة ملقا الأندلسية، التي أسسها الفينيقيون قبل ألف سنة من الميلاد لتكون بذلك المدينة الأندلسية الأقدم.

كل مدينة في الأندلس لها قصة وتاريخ ورجالات مروا بها وتركوا أثرًا لا يمحى من شعراء، وفنانين، وقادة جيوش، وحكماء، وملوك أيضًا. كذلك ملقا تاريخها يزخر بمن مروا بها وعاشوا بين ظهرانيها ابن البيطار واحد من أولئك. ولد في القرن السادس الهجري في مقاطعة ملقا وأسس علم الصيدلة، وكان عالمًا بالنبات والعقاقير وتصنيف الأدوية. يمكن للزائر أن يشاهد تمثالاً له في مسقط رأسه بلدة بينالماذينا الملقية.

الوجهات في الأندلس، ومن بينها ملقا، تبدأ من الأشخاص لننتهي معهم بالأماكن. فمن تمثال ابن البيطار الذي يقف المارة أمامه ليقرؤوا ما كُتب حوله على قاعدته الرخامية بثلاث لغات: العربية والإسبانية والإنجليزية، لا تنتهي الرحلة بأهم المعالم، بل ثمة قصص وحكايات تلد إحداها الأخرى بما يجعل الشغف السياحي فيها لا يتوقف. وكأن كل موجة من البحر الأبيض المتوسط تعانق شواطئها تهمس بحكاية أخرى في أذن الغريب المتعطش لعشق المدن التاريخية.

 

 


القصبة والمسرح الروماني

القشعريرة في حضرة الجمال والتاريخ هي أول ما ينتابك عندما تقف أمام القصبة في ملقا، إنها حصن وقصر وتاريخ تليد. سميت بالقصبة لأن بناءها جاء على شكل مستطيلات ومجوفة من الداخل، ولقد انتشر هذا النمط من العمران، على شكل قصبات، في بلاد الأندلس. وتكتب Alcazaba باللغة الإسبانية، واللفظ مأخوذ عن العربية. بُنيت هذه القصبة في وسط مدينة ملقا، على تلة تطل على البحر الأبيض المتوسط، وذلك في عصر ملوك الطوائف في عهد بني حمود الذين حكموا ملقا. لكن العجيب في هذه القصبة أن أساساتها رومانية بُنيت في القرن العاشر الميلادي. وجاء بنو حمود من الأدارسة ليبنوا أروع قصبة في الأندلس. ما يميز هذه القلعة أنها بُنيت لتكون منيعة في وجه الأعداء حيث أحاطت بها ثلاثة أسوار. لكن السياح اليوم لن يروا إلا سورين، فالثالث كان يحيط بالمدينة التي اتسعت رقعتها فتهدم السور.

الدخول إلى قصبة ملقا من حيث كونها مقصدًا سياحيًا يشبه كثيرًا الدخول إلى القصور الأندلسية. فهي المقصد الأول للسياح. تحيط أشجار النخيل والسرو بهذه القلعة التي تفصلها قصبات متناغمة في التصميم، وذات مستويات مختلفة. فهي تطل على البحر من جهة، وتطل على المدينة من الجهة الأخرى، كما أنها تقع في قلب المدينة القديمة التي تحيط بها المطاعم، والمتاحف، والمحال السياحية المتخصصة في بيع التذكارات. والمكان يضج ليلاً ويضاء بالأنوار الصفراء التي تزين القصبات، حتى كاتدرائية ملقا التي بنيت على أنقاض الجامع الكبير.

 


صيف أندلسي متوسط

تعد ملقا الوجه السياحي الحديث للأندلس، وذلك بسبب شواطئها البديعة على البحر الأبيض المتوسط. ولا عجب في ذلك فميناء ملقا يعد ثاني أكبر ميناء في إسبانيا بعد برشلونة. كما يعد مطارها الدولي ثالث المطارات. هي وجهة سياحية لمن هم داخل إسبانيا، ولمن هم خارجها. تتميز بوجود عدد من الشواطئ، ومن أفضلها شاطئ مالقة الذي يقع في الجانب الشرقي من الميناء. ويتميز بوجود متنزه يتصل به من خلال ممر طويل مرصوف ببراعة، طوله يقاس بمسافة عشر دقائق سيرًا على الأقدام. كما توجد حول هذا الشاطئ مطاعم متعددة تمتاز بأطباق حوض البحر المتوسط اللذيذة. أما أقرب الشواطئ إلى المدينة فهو شاطئ لا كليتا ملقا، ويتميز بتضاريس فاتنة، حيث تحيط به الرمال والجبال. وبما أن ملقا مدينة سياحية بامتياز فإن هذا الشاطئ لا يخلو من مطاعم ضاجة بالناس وروائح الأطعمة الشهية. ثمة أيضًا شاطئ بوراينا الذي يقع بالقرب من مطار ملقا الدولي وفيه تمارس الرياضات البحرية. وهو مقصد لمحبي الرنجة. أما شاطئ لا رادا استيبونا فهو مقصد السائحين الأكبر حيث يقع حوله عدد من الفنادق الفخمة. وهو مكان مثالي لمحبي التخييم.

بما أن ملقا هي الوجه الحديث للسياحة في الجنوب الإسباني بسبب شواطئها المتعددة، فإنها تزخر أيضًا بعدد من المتاحف الفنية، من بينها متحف الفنان الإسباني بابلو بيكاسو. ولا عجب، فمالقة هي مسقط رأسه. كما تزهو هذه المدينة الأندلسية بالمتحف الحديث الذي يضم لوحات فنية تعد من الأجمل والأندر. لمالقة وجه سياحي حديث، ووجه تاريخي تليد قديم. والوجهان ساحران آسران.

 


x
You are looking for