عبير الفوزان - أهلا وسهلا
ينطوي عنوان بينالي الدرعية على عمق المعنى في التتبع، والحجر في الأصل، فعبور النهر يتم من خلال تتبع الحجارة التي هي الطريق للانتقال إلى الضفة الأخرى. "تتبع الحجارة" عنوان بينالي الدرعية للفن المعاصر في نسخته الأولى، حيث لا يزال متاحا للجمهور حتى شهر مارس القادم من هذا العام، وفرصة لا تعوض للتتبع.
قدّم كل فنان في بينالي الدرعية رؤيته الفنية مستلهمها هذا العنوان، فجاء كل عمل من الأعمال عالميا يحتاج إلى الوقوف والتأمل بعد المرور على الحجارة للانتقال إلى الضفة الأخرى. شارك في المعرض أكثر من 60 فنانا عالميا ومحليا. ومن بينهم الفنانة البارزة في الحركة الفنية السعودية منال الضويان بفنها المفاهيمي الخارج عن صندوق الاعتياد، وقد شاركت في عدد من البيناليات مثل: بينالي البندقية، وبينالي برلين، واليوم بينالي الدرعية، بالإضافة إلى معارض عالمية تُعنى بالفن المعاصر. فضلاً عن كون عدد من أعمالها يعرض بصفة دائمة في متاحف عديدة حول العالم مثل: متحف لوس أنجليس، ومتحف الأردن الوطني للفنون الجميلة، والمتحف العربي للفن الحديث، والمتحف البريطاني.
جاء عمل منال الضويان "شجرة الذاكرة" لافتا بموضوعه، حيث كان على الزائر أن يتتبع الحجارة بمهل، حتى يصل إلى تلك الضفة الجديدة. ليشاهد هناك أشجار عوائل لأول مرة يراها، يُمسكها ورقة ورقة، فكل ورقة مختلفة عما قبلها.
هل جربت يوما أن تتبع أسماء أمهاتك لأمك، وتصنع منها شجرة؟ حتما ستختلف كل ورقة عن الأخرى إلاّ ما ندر. هذا ما سوف تشاهده في عمل منال المكتوب على أوراق نحاسية، تتمنى بعدها لو كانت أوراقًا من ذهب لتوازي هذه الفكرة الرائعة التي في الضفة الأخرى. ستشاهد تلك الأشجار المرسومة لسيدات حفظن أسماء جداتهن لأمهن، ومن ضمنها شجرة جدات الفنانة التي عملت بجهد وبحث مضنٍ لتصل للجدة السابعة. في شجرة الذاكرة ستقع في فخ النسيان، وتتألم عندما تقف قبل أن تصل لتلك الجدة المنسية لك، وربما عاهدت نفسك بعد هذا العمل أن تبحث عن جداتك لأمك وتكتشف عوائلهن وأقربائك القريبين البعيدين من أمك. إن عمل منال الضويان مثال حي وحقيقي لتتبع الحجارة، وذلك للوصول إلى الجدات المنسيات.