يحتار زائر ليون من أين يبدأ رحلته في مدينة تحفل بالتفاصيل الساحرة. وسط المدينة الصاخب، ومعالمها الثقافية، ومبانيها التاريخية الأصيلة المدرجة في قائمة التراث العالمي، إضافة إلى طبيعتها الخلابة، ومذاق مطبخها الرائع، وخضرتها الدائمة، كلها عوامل اجتمعت لتقدم ليون نفسها إلى زائرها على أنها مدينة عالمية بامتياز.
تشتهر ليون بفن الطهي المستمد من مطعمها العريق. وقد أسهمت قوائم طعامها المحلية الغنية، وكونها مهدًا لأشهر الطهاة العالميين، في أن تصبح المدينة عاصمة عالمية لفن الطهي، حيث تستضيف معارض دولية للمطاعم، والفنادق، والأغذية.

بين الرون والساوون

في موقع ليس ببعيد غربي جبال الألب، وعلى مفترق طرق أوروبا الغربية، على بعد نحو 460 كيلومترًا من العاصمة الفرنسية باريس، وعلى مقربة من كثير من المدن الأوروبية الكبرى، مثل ميونخ، وجنيف، وميلانو، وتورينو، التي يمكن لسكانها الوصول إلى ليون بسهولة، تغفو هذه المدينة الفاتنة قريرة العين في موقع استراتيجي، يحكم حركة المرور بين شمال أوروبا وجنوبها، ويمتد في الجنوب الشرقي من فرنسا، عند التقاء نهري الرون والساوون.

البلدة القديمة

لا مفر من الوقوف على أطلال البلدة القديمة التي تقع في منطقة سانت جون، ذات الشوارع الضيقة والجدران المطلية بالباستيل. يعود تاريخ هذا الجزء من المدينة المعروف باسم ليون القديمة إلى العصور الوسطى، ويشتهر بممراته الخفية الشهيرة التي تسمح بالسير من شارع إلى آخر عبر ساحات وسلالم تمر تحت عدد من المنازل، وبمحاله التجارية العتيقة، ومطاعمه ذات النكهة المحلية العريقة. هناك أيضًا يقع متحف تاريخ المدينة، ومسرح العرائس الشهير.

تمتد على جانبي نهر الرون الجسور الجديدة، لتشكّل همزة وصل أنيقة بين الماضي والحاضر، وتتناثر المباني الجميلة شاهدة على حضارات ثرية توالت على المدينة، ومنحتها خلاصة فنها المعماري ولمساتها النادرة، وأماكن الاسترخاء والتنزه في الميادين الشاسعة.

ميادين كثيرة

تشتهر ليون بميادينها الرائعة وساحاتها الكبرى، وعلى رأسها ميدان بيلّكور الذي يقع في قلب المدينة، ويشكّل بطرازه الكلاسيكي البديع مركز المدينة الحيوي، إذ تنطلق منه جميع الطرق إلى خارج المدينة. تمثل هذه الساحة أحد أكبر ميادين المشاة في أوروبا، حيث يحلو التجوال وتناول ما لذ وطاب من الأطباق المحلية الشهية.

أما ساحة الجمهورية، التي تقع في شارع يحمل الاسم نفسه، فتضم أهم المعالم الأثرية الكلاسيكية، بينما تغفو في حي هوسمان الكلاسيكي، ساحة مارشال ليوتي الرائعة ونافورتها البديعة.

 


المدينة المزهرة

تزخر ليون على الرغم من مظاهر التحضر القوية فيها، بمساحات خضراء ممتدة ومرافق طبيعية متعددة، ما منحها اسم المدينة المزهرة، لما تحويه من حدائق ومتنزهات.

يربض في شمال المدينة متنزه تيت دور أو الرأس الذهبي، الذي يُعد أكبر متنزه في المدينة وأول حديقة حضرية في فرنسا. يشكّل هذا المتنزه بمساحته الشاسعة، وبحيرته الرائعة، ووروده البديعة، وأشجاره المعمِّرة، وحيواناته المتنوعة، رئة خضراء يتنفس من خلالها قلب مدينة ليون.

أما حديقة الحيوان في ليون، فتُعد ثاني أقدم حديقة حيوان في فرنسا، ويرجع تاريخها إلى عام 1858. ويُركّز المشرفون عليها منذ عام 2006، على جعلها الموقع الملائم للحفاظ على فصائل الحيوانات المهددة بالانقراض، إضافة إلى الدور التوعوي في الحفاظ على التنوع البيولوجي. تضم الحديقة التي تطل على نهر الرون أيضًا، مركزًا ثقافيًا، يحتوي على قاعات مؤتمرات، وخدمات فندقية، ومتحف للفن المعاصر، ودور للسينما.

من جانب آخر تقف الضفة اليسرى لنهر الرون شاهدة على تطورات معمارية وصناعية وتقنية هائلة عرفتها المدينة، ومنها مجموعة معمارية عصرية تُعرف بالمدينة الدولية، تضم متحف الفن المعاصر، ومركزًا للمؤتمرات، وفنادق ومطاعم ودور سينما وكثيرًا من المحال التجارية.

على قمم الألب

يستمتع زوار ليون بتجربة التزلج على الجليد، حيث تقع جبال الألب على بعد نحو ساعة بالسيارة إلى الجانب الشرقي من المدينة. يبدو مشهد الجبال الساحرة جذابًا أمام سكان ليون من على قمة تلة فورفيار الواقعة في قلب ليون، لتدعوهم الجبال إلى خوض تجربة التنقل إلى منتجعاتها الفاخرة التي تمنحهم فرصة التزلج، والاستمتاع بهذه الرياضة على طبقات الثلج الكثيفة.

مهد الثقافة والفنون

لمدينة ليون إرث ثقافي وفني قيِّم، فقد شهدت ميلاد نوعين من الفنون هما: السينما التي اخترعها الأخوان لوميار، ومسرح العرائس. لذلك تحتضن المدينة متحفًا باسم: قصر الأخوين لوميار الشهيرين Le Château des célèbres frères Lumière، ومعهد لوميار L’Institut Lumière حيث يُدرَّس فن السينما.

كما تتمتع المدينة ببنية تحتية ثقافية حديثة تعكس ثراءها وخصائصها التاريخية، مثل قاعة أوديتوريوم Auditorium، ومسرح العرائس Célestins، ومسرح ليون الوطني، وعدد كبير من أروقة الفنون وأكثر من 15 متحفًا، منها متحف الفن المعاصر، ومتحف الفنون الجميلة، الذي يحوي مجموعات من اللوحات تُعد من أهم المجموعات الفرنسية بعد متحف اللوفر في باريس، ما جعل المتحف يُعرف باللوفر الصغير.

تشتهر ليون بالأحداث الثقافية الكبرى، منها ما هو دولي مثل مهرجان الأنوار، الذي ينظم في شهر ديسمبر في جميع أنحاء البلاد، ومهرجان لوميار دي ليون، أو أضواء ليون، وهو مهرجان سينمائي يقام في شهر أكتوبر من كل عام، في المدينة التي اخترع فيها أوغست ولويس لوميار فيلمًا سينمائيًا عام 1895.

تراث معماري غني

تضم المدينة تراثًا معماريًا وثقافيًا فذًا، منحها كثيرًا من الألقاب الرسمية، منها عاصمة بلاد الغال القديمة، وعاصمة فن الطهي العالمي، وعاصمة الحرير، وعاصمة الورد، وعاصمة السينما.

تُعد ليون من أقدم المدن الفرنسية. وقد حافظت على مدى تاريخها الممتد لنحو ألفي عام، على آثار تؤرِّخ لمراحلها التنموية المختلفة، فاحتفظ كل حي منها بإرث غني متنوع بين متاحف ومبانٍ عتيقة. كما تزهو المدينة بجدرانها المطلية التي تنعكس ألوانها البهيجة على ضفاف نهر الساوون. كذلك تجسد جداريّة أهل ليون الجصية الشهيرة 30 شخصية من مشاهير المدينة، مثل الإخوة لوميار، والطيار والكاتب الراحل أنطوان دو سانت إكزوبيري، وغيرهم.

من مفاخر ليون أيضًا، المدرج الروماني القديم، بحدائقه وممراته السرية، ومحطة القطار القديمة المسجلة على لائحة التراث المميّز في القرن العشرين، والمصنفة بسبب هندستها المعمارية الفريدة، مَعلمًا تاريخيًا.

في ليون لا تنتهي تجربة الزائر عند الرحيل منها، وإنما تترك في النفس أثرًا كبيرًا وشوقًا يجسد دعوة جديدة للعودة إلى هذه المدينة التي تشكل بثرائها باريسًا صغرى داخل الدولة الفرنسية.


x
You are looking for