في عالم تتسارع فيه الخطى نحو المستقبل، تظل الثقافة والتراث شاهديْن على تاريخ الأمم وأصالتها. تتباهى المملكة العربية السعودية بكنز ثقافي مذهل يضم في جنباته تراثًا غنيًا ومتاحف تراثية تشهد على عراقته. لا يشكل هذا التراث العريق محض ميراث يورث من جيل لآخر، لكنه أساس لبناء مستقبل سياحي مزدهر يسهم في دفع عجلة الاقتصاد وتنمية البلاد.


يقف متحف "العالية" في قرية "الدغارير" بمحافظة صامطة، شامخًا بوصفه مثالاً حيًا على جهود الأفراد والجهات الرسمية في حفظ الذاكرة الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية. لطالما أسهم أبناء جازان، عبر جمع المقتنيات والقطع التراثية، في تأسيس متاحف تحكي قصص الأجداد وتعرض جوانب مهمة من الحياة اليومية والمعتقدات والحرف التقليدية، كما في قطعة "القعادة"- أو الأريكة التقليدية- التي تعود لأكثر من 160 عامًا، والتي تحمل في طياتها حكايات الضيافة والمجتمع.


يتفاخر المتحف بما يكتنزه من مقتنيات أثرية، منها مخطاف أثري كان يُستخدم في بئر مدينة العالية القديمة منذ 500 سنة هي عمر البئر التي كانت تحظى بشهرة واسعة آنذاك، إلى جانب أدوات الحراثة والزراعة التقليدية وأدوات المكاييل المصنوعة من أخشاب الأثل، والقدور النحاسية وجرّات المياه والأواني الفخارية والسرج الحجرية، وكذلك قيود الجمال وأبواق مصنوعة من قرن الوعل، إلى جانب الحُلي النسائية المستخدمة قديمًا. كما يضم المتحف مجموعة تراثية من الجنابي، والسيوف، والأسلحة القديمة، والعملات المعدنية التي كانت تُستعمل في تلك الفترات الزمنية.


لا يمثل الحفاظ على التراث الثقافي والمتاحف التراثية واجبًا وطنيًا فحسب، بل هو استراتيجية ذكية لتعزيز الهوية السعودية والحفاظ على الموروث الوطني. كما أنه يسهم في تحقيق مستهدفات برامج جودة الحياة من خلال توفير بيئة غنية بالمعرفة والثقافة، تعزز من الاستدامة وحماية البيئة، وتحافظ على التراث الإنساني والحضاري وكذلك المواقع التراثية للأجيال القادمة.

إن الدور الذي تلعبه المتاحف التراثية، مثل متحف "العالية"، في تعزيز الوعي الثقافي والتاريخي للزوار، يمثل ركيزة أساسية في الحفاظ على التراث والترويج له. توفر مثل هذه المتاحف للزائرين فرصة للسفر عبر الزمن واستكشاف الجذور التاريخية والحضارية للمملكة، ما يعزز الفهم والتقدير للتراث السعودي.

x
You are looking for