«نيرون مات ولم تمت روما، بعينيها تقاتل.» هذا ما قاله المُبدع محمود درويش في إحدى قصائده.
لكن روما اليوم لم تعد بعينيها تقاتل، بل باتت بعينيها تغازل، فتستدعي الزوار من أقصى الأرض لتحتضنهم في أرجائها. إنها المدينة الملأى بالمفاجآت والدهشة. تُغرق الزائر وهو سائر في شوارعها في أزمنة مختلفة، تملؤه بالتساؤلات، بينما يسير في طرقاتها الضيقة العريقة التي تتسرب الأضواء إليها من بين المباني، لتقوده فجأة إلى ساحات فسيحة مشمسة تحمل في زواياها عبق الماضي، وآثار أقدام أمم رحلت، وأمم خلَّفتها، عاشت جميعها على ضفاف نهر التيبر الذي يشق العاصمة التي تتميز بخضرتها، لتصبح من أكثر المدن الأوروبية خضرة. تنعم روما بمناخها المتوسطي الذي يمنحها اعتدالاً وشمسًا دافئة، وبمطبخها الذي يحظى بشهرة واسعة على مستوى العالم لتنوعه وطيب مذاقه.
في أرجاء التاريخ
تبدأ الرحلة في روما بزيارة مدرج الكولوسيوم أشهر معالم المدينة، بل وأحد أشهر المعالم على مستوى العالم. يناهز عمر هذا المدرج ألفي عام تقريبًا، ويعد من أعظم أعمال العمارة الرومانية. وقد اشتهر بكونه حلبة للقتال. أعيد ترميمه جزئيًا بعد أن تسبب زلزال عظيم في القرون الوسطى بهدم جزء منه. الجولة داخل الكولوسيوم تتضمن النزول إلى شبكة من الممرات تحت الأرض للوقوف على الأبواب والتقنيات التي كانت تستخدم لنقل الحيوانات والمصارعين إلى الحلبة. كما يرتقي الزائر إلى الطابق الثالث ليحظى بإطلالة رائعة على هضبة بالاتين، والمنتدى الروماني الذي يقع إلى جهة الغرب من المدرج، حيث روما القديمة، وساحة بياتسا ديل كامبيدوليو. هناك تقع آثار لمبانٍ رومانية، وأعمدة ضخمة، وكثير من التماثيل والأعمال الفنية الأثرية، إضافة إلى القصر الملكي القديم، ومعبد فيستا، ومدرج كوميتيوم. تجسِّد هذه المنطقة بالكامل إرثًا تاريخيًا مذهلاً، يتجسد في كل ملامح الأبنية التي تنتشر في المكان وتعبر بصورة واقعية عن حضارة روما القديمة التي يكتظ بها قلبها التاريخي.
على بعد مئات الأمتار إلى جهة الشمال الغربي من المنتدى الروماني، تمتد رحلة السائح نحو صرح تاريخي آخر، هو مبنى البانثيون. يجد الزائر نفسه عند الدخول إلى المبنى في بهو تعلوه قبة مثقوبة تدخل منها أشعة الشمس إلى الرواق الدائري المستند إلى أعمدة ضخمة من الغرانيت. يعد هذا المبنى أقدم قبب روما على الإطلاق، ويمثل مرجعًا لفن العمارة الرومانية، إذ يُصنف أفضل مبنى روماني أثري محفوظ منذ ذلك العصر على مستوى العالم.
لا يزال الزائر في قلب هذه المنطقة الحافلة بالمعالم قادرًا على استكشاف المزيد، حيث تقع نافورة تريفي الشهيرة على بعد نحو عشر دقائق فقط سيرًا على الأقدام من مبنى البانثيون. وقد بنيت النافورة ملحقًا لقصر فخم، ويصل ارتفاعها إلى ستة وعشرين مترًا، واتساعها إلى عشرين مترًا، ولا يزال السياح حتى اليوم يلقون قطعًا من النقود في حوض النافورة استنادًا إلى أسطورة تحقيق الأماني التي كرَّستها العادة على مر السنين حتى أصبح للنافورة صيت واسع في الفن والأدب كما في السياحة. وعلى مقربة من النافورة تقع ساحة إسبانيا التي تضم الدرج الإسباني الشهير، حيث يلتقي الناس ليجلسوا على درجات السلم يتجاذبون أطراف الحديث، ويلتقطون الصور التذكارية، ومن أمامهم نافورة ديلا باركاتشا القديمة، مع وجود كثير من المحلات التجارية التي تتيح للزوار تمضية الوقت في التسوق أيضًا.
من أجمل الأماكن التي يحرص السياح على زيارتها في روما، متحف بورغيزي ومعرضه الذي يضم مجموعة من الأعمال الفنية والمنحوتات والآثار. ويتفرد المبنى بعمارته المتميزة مع حدائقه المحيطة التي تشتهر بحدائق فيلا بورغيزي.
على عكس أبرز المعالم الشهيرة الواقعة في الجانب الشرقي من نهر التيبر، بنى الإمبراطور الروماني هادريان قلعة سانت أنجلو على الضفة الغربية من النهر، لتكون ضريحًا له ولعائلته، لكنها تحولت فيما بعد إلى حصن حربي ثم أصبحت متحفًا في العصر الحالي يقصده الزوار للوقوف على هذا المبنى التاريخي الذي بني بين عامي 135م و139م.
تُعرف روما بأنها عاصمة دولتين، إذ يعد الفاتيكان دولة مستقلة وأصغر دول العالم مساحة، ويقع في قلب مدينة روما التي تحيط به من جميع الاتجاهات. يضم الفاتيكان كاتدرائية القديس بطرس وساحتها، إضافة إلى مرصد فلكي، وحدائق فسيحة، ومكتبة الفاتيكان ومتاحفه الشهيرة، حيث يوجد مخزون هائل من أرقى الأعمال البشرية الفنية المتنوعة.
متعة التسوق
متعة التسوق في المدن الإيطالية الكبرى وعلى رأسها روما تعد على رأس أولويات الزوار، إذ عُرفت إيطاليا منذ القدم بكونها موطن الأزياء الجميلة وأحدث صيحاتها. ومن أبرز شوارع التسوق كوندوتي، وبورغوغنونا، وفراتينا، وجميعها تكتظ بأشهر العلامات التجارية للأزياء والكماليات. تمتد جولة التسوق في هذه الشوارع من الشرق إلى الغرب حيث تتناثر المحلات التجارية على الجانبين في اتجاه نهر التيبر. تتقاطع ثمة الشوارع الثلاثة مع شارع فسيح آخر هو شارع كورسو الذي يستكمل فيه المتسوقون رحلتهم للبحث عن ضالتهم من الملابس والمنتجات الجلدية الفاخرة التي تشتهر بها إيطاليا.
على الضفة المقابلة من نهر التيبر في منطقة براتي، وعلى مقربة من ساحة بياتسا دي كويرتي تستقر مجموعة من الشوارع الكبرى للتسوق تتميز بكونها تكتظ، إلى جانب المحلات التجارية، بعدد كبير من المقاهي والمطاعم الشهيرة في روما. هذه الشوارع هي كولادي رينزو، وأوتافيانو، وفيالي جوليو سيزار، وكانديا. كما تحفل روما بكثير من الأسواق التاريخية القديمة، وشوارع التسوق الحديثة التي تصادف السائح أينما توجه في المدينة لتجعل من التسوق ركنًا رئيسًا في رحلة السياحة إلى العاصمة الإيطالية الجميلة.