عبير الفوزان
على تخوم جبال الظهر الواقعة بالقرب من محافظة حقل، في منطقة تبوك، سترى الأبيض متطاولاً كمنارة على قمم الجبال ومتناثرًا حولها. فهذا موسمه وموسم طلبه في هذه المناطق من شمال المملكة العربية السعودية.

عروس الشمال

تبوك مدينة حافلة بالوسم، ففي الصيف تقطف من أشجارها العنب والتين والخوخ، أما في فصل الشتاء فالثلج هو فاكهة اللهو البريء، مثلما النار فاكهة الشتاء.

تقع منطقة تبوك شمال المملكة العربية السعودية، وعاصمتها الإدارية تبوك، وتعد من أكبر مدن الشمال. ما يميز المنطقة التي تتبعها محافظات عديدة من برية وساحلية خلوها من التلوث. فشواطئها التي تطل على البحر الأحمر بكر، بالإضافة إلى الجزر المتاخمة لها، حيث توجد فيها بيئة بحرية نادرة، ما بين الكائنات الحية والشعب المرجانية، ما جعلها وجهة ملائمة لرواد الغوص. هذا ما تكون عليه تبوك صيفًا، أما شتاؤها فله وهج خاص.

البحث عن الشتاء في تبوك متعة لا تضاهيها متعة. إضافة إلى كون الشتاء شعورًا يتملك الفرائص فترتعد، فهو يخلّف منظرًا ساحرًا باللون الأبيض، محولاً الأرض الرملية والجبال الصلدة، حتى المراعي وقطعان الماشية ورعاتها، إلى حُلَّة بيضاء يغطيها الثلج بندفه.

مجموعة صور نشرتها "واس" عن ثلوج تبوك



البحث عن الثلج

مع تباشير الشتاء تحين فرصة سقوط الثلج والبحث عنه في شمال المملكة العربية السعودية، لا سيما في منطقة تبوك. فجبل اللوز ومرتفعات علقان موعودة بهذا الزائر الأبيض، قبل أن يزور المتنزهات والشوارع.

تساؤلات تتردد في تبوك وحولها «هل سقط الثلج؟ أم لما يسقط بعد؟»، مثلما تتردد في المناطق الحارة من المملكة عبارات «سقط الرطب؟ أم لما يسقط بعد؟» إنه الشغف الذي يحمل معه بهجة التباشير.

الرحلة باتجاه الشتاء والثلج في تبوك تبدأ من جبال الظهر، وهي من سلسلة جبال مدين التي تقع بالقرب من مدينة حقل، وتحيط بها الرمال التي شكلت سدودًا إليها. يبلغ ارتفاع هذه الجبال 1٫828 مترًا، ما يجعل قممها أرضًا خصبة لاستقبال الزائر الأبيض. ولعل قرية علقان، التي تحتوي تضاريسها على جزء من هذه الجبال والتكوينات الصخرية، من الأماكن التي يزورها الثلج كل عام، فيقصد الأهالي والمغامرون تلك القرية الجميلة التي يغطيها الثلج من أخمصها حتى قمة جبلها، علقان، مرورًا بالغراميل المتناثرة هنا وهناك.

حين تتحول المناظر في المناطق البرية من تبوك في فصل الشتاء إلى منظر مغاير، قلما يتكرر، يتصيد المغامرون هذا الوسم، ويتعقبون سحب الثلج التي تأخذهم إلى قرية علقان وجبل اللوز.



علقان وجبل اللوز

تبعد علقان مسافة 60 كيلومترًا عن حقل نزولاً إلى تبوك، كما تبعد عن تبوك 180 كيلومترًا صعودًا إلى الشمال الغربي، والطريق المؤدي إليها معبد. وما أن تصل إلى قرية علقان الملتحفة بالجبال حتى تصادفك التضاريس الملهمة بين أرض رملية وجبال غرانيتية، نحتتها عوامل التعرية لتكون بين جبال وغراميل رائعة.

أما جبل اللوز الذي يقع بالقرب من صحراء حسمي، ويعد أعلى القمم من السلاسل الجبلية للمنطقة، فله نصيب كبير من الثلج الذي يتساقط عليه حتى غرة فصل الربيع أحيانًا. ولقد أدرجت منطقته ضمن المواقع السياحية والتاريخية المهمة، إذ كانت موطنًا للأنباط، كما توجد نقوش بالحرف الحسمائي على بعض جبال المنطقة، بالإضافة إلى مواقع عدة تعود إلى العصر الحجري المتوسط. ولكن على الرغم من ذلك، ما زالت المنطقة بكرًا، ولم يجرِ الاستثمار فيها. إلا أنها وقت سقوط الثلج، الذي يتراوح غطاؤه بين الخفيف والمتوسط، تزدهر بالقادمين من أنحاء شتى، فيلتقط بعضهم الصور، ويُفضل بعضهم الآخر التزلج بطريقته الخاصة، بينما هناك من يجمع الندف الثلجية المتساقطة ليبني تمثالاً ثلجيًا. لكن ما أن تظهر الشمس حتى يبدأ الثلج بالذوبان وينسلخ الندف الأبيض عن رمل ذهبي، وكأن الشتاء لم يمر من هنا قط.




x
You are looking for