قد تكون العاصمة روما على رأس أولويات السائحين الذين يعتزمون زيارة إيطاليا، فهي المدينة العريقة التي تمثل متحفًا مفتوحًا، تفتح باب الفن والحضارة على مصراعيه للزائرين، وتلفت انتباه جميع من قصدها. ولكن تبقى هناك جواهر خفية لم تحظ بحقها من التوهج على خارطة السياحة الإيطالية، ومن أبرز هذه الوجهات إقليم أومبريا الذي يبعد نحو ساعتين بالسيارة عن وسط روما.
يمثل إقليم أومبريا واحدًا من الأقاليم الريفية الرائعة التي تحيط بروما، ويستمد من العاصمة التاريخ والثقافة، وفي الوقت نفسه تتنفس روما من مزارعه وبساطه الأخضر الممتد، الذي يُلبس الزائر روح السكينة والاطمئنان، في بقعة تمزج بين الطبيعة الآسرة والحضارة وتجربة السياحة الفريدة.
جغرافيا فريدة
تُعرف أومبريا بقلب إيطاليا الأخضر، وتشتهر بتراثها الثري المستمد من حقبة القرون الوسطى، الذي تلفه الطبيعة الغناء فتزيده بهاءً وألقًا. تتميز هذه البقعة الجغرافية على خارطة إيطاليا بتلالها، وجبالها، ووديانها التي تحتضن بلدات إقليم أومبريا التاريخية. تقع عاصمة الإقليم بيروجيا على هضبة مرتفعة، وتُعد من أجمل بلدان الإقليم التي يتحتم على الزوار بلوغها. فهي مدينة غنية بالتاريخ، كما أنها في الوقت ذاته من أكثر المدن حيوية، وتنافس بوجهها الحديث كبرى المدن الإيطالية.
تُعد أومبريا الإقليم الوحيد بين أقاليم إيطاليا العشرين الذي لا يملك أي إطلالة ساحلية، أو أي حدود مع دولة أخرى. وعلى الرغم من ذلك فإن أومبريا تضم واحدة من أجمل البحيرات الإيطالية، وهي بحيرة تراسيمينو، إضافة إلى شلالات مارموري، كما يعبر من خلالها نهر التيبر الذي يمنح محيطه مشهدًا فريدًا يمزج صفحة المياه مع المزارع الخضراء.
يحيط بأومبريا ثلاثة أقاليم، حيث يسيطر على حدودها الشرقية والشمالية الشرقية إقليم لو مارش، بينما يحدها من جهة الغرب والشمال الغربي إقليم توسكانا، أما من جهة الجنوب فيحدها إقليم لاتسيو.
بيروجيا
تُعد العاصمة بيروجيا مقصد الراغبين في تعلم اللغة الإيطالية. ويرجع ذلك إلى جامعتها العريقة التي تأسست مع مطلع القرن الرابع عشر، وأصبحت بيروجيا بذلك مكتظة بالطلاب الأجانب. تضم الجامعة كليات أخرى منها الاقتصاد، والرياضيات، والفيزياء، والزراعة، والطب والصيدلة، وغيرها من التخصصات. كما تحتضن بيروجيا المتحف الفني الوطني لأومبريا.
في بيروجيا يحلو التسوق والسهر في شوارعها الجميلة. ويجسد شارع كورسو فانوتشي محور جولات المشاة الذين يتهافتون على التنزه فيه، بوصفه عصب الحياة الرئيس في بيروجيا، بل يقصده المتنزهون من كل أنحاء الإقليم، وذلك بسبب الموقع الوسطي الذي تحتله بيروجيا من إقليم أومبريا، وهو ما جعلها قبلة الزوار من أنحاء الإقليم لسهولة الوصول إليها.
وجهات
تقع بلدة أسيزي وسط أومبريا على الجناح الغربي لجبل مونتي سوبازيو، وتجسد انعكاسًا حقيقيًا لثقافة الإقليم، إذ يستهوي التجول بين أزقتها ومعمارها التراثي وآثارها وقلاعها التاريخية كثيرًا من السائحين. تضم أسيزي قلعة كبيرة هي روكا ماغيور، بُنيت في القرن الرابع عشر، وتتميز بمساحتها الفسيحة ومعمارها الضخم. وقد خلّف العصر الروماني كثيرًا من الشواهد المعمارية، منها القلاع الصغيرة، والمدرج الروماني الذي بني في أوائل القرن الأول الميلادي، إضافة إلى القصور القديمة في أنحاء البلدة، ومنها قصر كابيتانو بوبلو الذي بني في منتصف القرن الثالث عشر، وقصر بريورس الذي بني في الحقبة ذاتها.
تنتشر البلدات التاريخية على مقربة من بيروجيا، فإلى الجانب الشرقي من إقليم أومبريا تستقر بلدة سبيلو التاريخية على قمة تل مرتفع، تشرف منه على السهول المنبسطة أسفلها، وقد أحيطت البلدة بسور تسربت خارجه بعض شواهد المعمار الحديث، الذي يمر عبره خط السكك الحديدية الوافد من روما في طريقه إلى فلورنسا. أما بلدة مونتيفالكو فهي إحدى مدن مقاطعة بروجيا، وتقع إلى الجنوب منها، وتكتظ بإرث روماني يتكشف في معمارها، إضافة إلى بلدة بيفانيا التي تظهر بسمت نظيراتها من البلدات الأخرى. كل هذه البلدات يصل إليها السائح في أقل من ساعة إن كانت انطلاقته من العاصمة بيروجيا.
أما عشاق المشاهد الساحرة فلن يغفلوا زيارة منطقة بانيكالي التي تتوافر فيها أجمل إطلالة على بحيرة تراسيمينو. هناك حيث تنتشر المقاهي، والقناطر، والطرقات المخصصة للمشاة، وتقدم فيها المطاعم ألذ أنواع الشوكولاته الساخنة. كما يقام في هذه المنطقة معرض بان أوليو، وهو معرض شهير للخبز وزيت الزيتون.
مطبخ متميز
يشتهر إقليم أومبريا ومحيطه بمطبخه المتميز الذي يقدم الأطباق الإيطالية التي تمتزج بالمطبخ الروماني القديم، فيقدم توليفة متفردة. ما يضفي التميز على هذا المطبخ أن طريقة تحضير الأطباق الإيطالية الشهيرة فيه تختلف عن غيره من المطابخ المحلية، لذلك تنتشر مدارس تعليم الطهي في الإقليم، ومن أشهرها فيلامونتي سولاري، التي تقدم دروسًا في تحضير المعكرونة (الباستا الإيطالية) على أيدي طهاة مهرة يشرحون الفرق بين أنواعها. ومشهور عن الطهاة في فيلامونتي سولاري قولهم: إن الأطباق الإيطالية لا تتشابه كثيرًا على عكس ما يظنه الناس، لأن وصفاتها تختلف من منطقة إلى أخرى.
عدا عن متعة تجربة تعلم الطهي في فيلامونتي سولاري يتاح للزائر أيضًا الاستمتاع بركوب الدراجات الهوائية في مساحة شاسعة تابعة لهذا المبنى الأثري، الذي يرجع تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر، ليستمتع بالحدائق، وأشجار الزيتون والليمون. كان هذا المبنى في الأساس ملكًا لعائلة من أثرياء المنطقة، لكنه تحوّل إلى فندق يقدم تجربة مثيرة للزوار تستند إلى تاريخه العريق.
الوصول إلى أومبريا
على الرغم من أن وسائل المواصلات العامة في إيطاليا متميزة ومريحة للوصول إلى إقليم أومبريا لا سيما القطار، إلا أن متعة الوصول إليها عبر السيارة يمثل تجربة مختلفة سيحبها السائح الذي لن يتردد في التوقف في المناطق التي يعبرها في رحلته للتعرف إليها، والتقاط ما يرغب فيه من الصور التذكارية.